يحيى الكندري

يحيى الكندري

الثلاثاء، 31 مايو 2022

قصيدة محمد بن حسين السماهيجي (كان حيّاً 1291هـ=1874م) في الشيخ محمد بن ثاني (ت1295هـ=1878م)

 


أهمية القصيدة ومصدرها

تعرض هذه المقالة نَصّاً تاريخيّاً مهمّاً يصفُ لنا مكانة وحال الشيخ محمد بن ثاني، جد الأسرة الحاكمة في قطر، عبر قصيدة نظمها شاعرٌ وتاجرٌ بحريني، هو محمد بن حسين السماهيجي، عرفَ الشيخ محمد عبر التعامل التجاري، وزاره في بلدهِ، ورآه رأي العين، وأدركَ حاله، فيكون بذلك مصدراً محليّاً مُعاصراً للشيخ محمد الذي تندر حوله النصوص التاريخية المسهبة، خلا نصّ الرحالة وليم جيفورد بالجريف )ت1306هـ=1888م(، الذي تدور حول رحلته وخط سيرها ومشاهداته نقاشات كثيرة، وهنا تكمن أهمية هذه القصيدة، وقد عثرتُ على هذه القصيدة في كُنَّاش أدبيِّ جمعه الشيخ محمد بن حمد العَسَّافي (ت1394هـ=1974م)، وهو من تلاميذ العلامة محمود شكري الآلوسي (1342هـ=1923م)، الذي جمعته صِلات ومراسلات بالشيخ جاسم بن محمد بن ثاني، ابن الممدوح، عرضَ لها ونشر طائفةً منها الشيخ د. خالد بن محمد بن غانم آل ثاني[1]، وربما يكون العسَّافي قد طالع هذه القصيدة بطريق تلكم الصلات، أو تكون من مصدر آخر، والكُنَّاش المذكور محفوظٌ اليوم في مكتبة العَسَّافي الـمُودَعَة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، وقد طالعتهُ وانتسخت صورةً منه عام (2012هـ=1434هـ)، ويطيب لي أن أشكر هنا الأستاذ الكريم عبدالله العجلان، المسؤول عن قسم المخطوطات بالجامعة يومئذ[2]، فقد أكرمني وبالغ في مساعدتي دون صِلَة سابقة بيني وبينه، وهو من خيرة نُظَّار خزائن المخطوطات كرماً وفضلاً ونجدةً للباحثين.

بين يدي القصيدة

الشيخ محمد بن ثاني، المقصود بالأبيات هو جدُّ أسرة آل ثاني حُكَّام قطر، ويصف لنا المؤرخ ناصر الخيري (ت1344هـ=1925م) حاله في زمن قريب من تاريخ كتابة هذه القصيدة، وذلك عند حديثه عن أحداث عام (1284هـ=1867م) فيقول: "الأمير محمد بن ثاني، شيخ قبيلة المعاضيد، وأَوْجَهُ وجيهٍ في قطر"[3]. وأرَّخ الشيخ محمد بن عبدالعزيز ابن مانع وفاته في (تدويناته) فقال: "مات الشيخ محمد بن ثاني سنة 1295هـ[4]، حاكم قطر، وخَلَفَهُ ابنهُ: الشيخ قاسم"[5]، أي أنَّ القصيدة قد كُتِبَت قبل وفاة الشيخ محمد بن ثاني بأربع سنوات، فهي إذاً تصف لنا منتهى أمره، ومبلغ حاله في ختامه[6].

ومناسبة القصيدة هو مطالبة محمد بن حسين السماهيجي للشيخ محمد بن ثاني بأداء ثمن اللؤلؤ الذي اشتراهُ الشيخ محمد من السماهيجي، على أن يكون المدفوعُ نقداً، بينما كان الشيخ محمد يرغب في دفع الثمن على شكل بضاعة هي القهوة، وقدَّر قيمة جُونِيَّة[7] القهوة الواحدة بـ(33 ريال)، بينما كان ثمنها الحقيقي عند الطواويش[8] (25 ريال)، فكتب السماهيجي هذه القصيدة آملاً أن ينظر الشيخ محمد في أمره، ويغيّر من رأيه، فلما سمعَ الشيخ محمد الأبياتَ أَقالَ السَّماهِيجي، وحقق له مُراده، وقد كان لقاؤهما في الدوحة بقطر في (25/رجب/1291هـ) الموافق (7/سبتمبر/1874م)، وقد نسبَ مُدَوِّن الأبيات الشيخ محمد إلى آل بو كُوَّارة، ولعل هذا الخطأ وقع بسبب إصهاره إليهم، أو شهرتهِ بمجاورتهم في السكنى.

ورغم ما يعتري أبيات السَّماهيجي من ضعف أدبي ولغوي فإنَّها تحمل في ثناياها فوائد تاريخية مهمة، إذ يذكر لنا السماهيجي مكانة الشيخ محمد ثاني في قومه، وأنه "أحلمُ من في الدَّارِ كُلِّهِمُ"، و" مصْدِرُها طُرًّا وإن رَغِبوا" أي أنه القاطع في أمور قومه، المتصرف في أحوالهم، الذين هم "جماعاتٍ بك اعتصبوا"، ووصفهُ أيضاً بالعدل والإنصاف "أرى الإنصافَ سَمْتَكُمُ"، كما تتضمن مناسبة القصيدة صورة من صور التعامل التجاري، إذ تنصُّ على تبادلِ تجارِ اللؤلؤِ السِّلَع – ومنها القهوة – باللآلئ، وأنَّهُ دارجٌ في عصرهم.

نصُّ القصيدة

قال الشيخ محمد بن حمد العَسَّافي (ت1394هـ=1974م) في (كُنَّاشِهِ):

"ومِمَّا قال محمد بن حسين البَحْراني السَّماهِيجي في حَقِّ محمد بن ثاني آل بو كوّارة، وذلك في دَوْحَةِ قَطَر، وقد اشترى محمد المذكور من محمد بن حسين المذكور بعض لُؤلؤٍ بموجِبِ النَّقْد، فاخْتَلَفَ عليه محمد المذكور، وأراد أن يدفعَ على السَّماهِجِيِّ المزبور قهوة، الجُونِيَّة في ثلاثة وثلاثين ريال، وهي إذّ ذاكَ تسوى عند الطواويش خمس وعشرين ريال، فاسْتَشْفَعَهُ بهذه الأبيات، فأَقالَهُ، وهي هذه، في الخامس والعشرين من رجب سنة (1291):

حانَ الرَّحيلُ فَشَدَّ القومُ وابْتَعَدوا * وخَلَّفُوا المالَ للورَّاثِ واحْتَجَبوا

وأَبْعَدوا دارَهُم عن عُقْرِ مَنْزِلِهِم * عسى وأن يرغبوا فيما به رَغِبوا

فاحْذَر تحذّر وكُنْ بالله مُعتصماً * تنالُ عِزّاً وعَفْوُ الله مُرْتَقَبُ

واسْلُكْ طريقاً وبالمعروفِ مُشْتَهِراً * وابْسُطْ يَداً طالما سامى بها الشُّهُبُ

وارْحَمْ ضعيفاً أتى يشكو ظلامتهُ * خُذْهُ بعين الرِّضا، للعفوِ يَرْتَقِبُ

وأنتَ أحلمُ من في الدَّارِ كُلِّهِمُ * وأنتَ مصْدِرُها طُرًّا وإن رَغِبوا

ما دمتَ في الدار باقٍ فالبقاءُ لهم * وإن جرى القدرُ الآتي لها العطبُ

أنتَ الـمُكافِحُ في كلِّ الأمورِ معاً * فَبَعْدَكَ الأمرُ مقرونٌ بها التَّعَبُ

فلمّ شعثهمُ وارفع وضيعهمُ * ولا تُؤاخذ جماعاتٍ بك اعتصبوا

وارْحَمْ غريباً رعاكَ الله مفتقراً * للعَدْلِ والعَفْوِ والإحسانِ يَرْتَقِبُ

إنِّي غريبٌ أرى الإنصافَ سَمْتَكُمُ * فلا أُكَلَّفُ بعد الراحةِ التعبُ

لا غَرْوَ قد كنتُ في ذي الدَّارِ ضَيْفَكُمُ * فكيفَ تَنْأى بِيَ الآلامُ والخطبُ

أم كيفَ أخسرُ في دارٍ أتيتُ بها * أسعى على لـمَّةٍ قد كَظَّها النَّصَبُ

وليس أقدرُ ما حَمَّلْتَني شَطَطاً * بِدَفِعِ قَهْوَةٍ فيها القومُ تلتعبُ

خمساً وعِشْرينَ ريالات قيمتُها * بالزُّورِ أَقْبَلُها مَثْنى فيا عجبُ

كَلّا وحاشا بأن ترضى[9] شِيمَتُكُم * بأَنْ أُفارِقَكُم والقلبُ مَضْطَرِبُ

أرجوا البقيَّة أن تعطي فها أنا ذا * منكَ التَّفضّل عدّاك الشرُّ والكَرَبُ

منُّوا عَلَيَّ بتسهيلٍ على عَجَلٍ * فلا أُريدُ سوى مالي وأَرْتَقِبُ

اسْمِي (مُـحَمَّدٌ) كما قد كانَ اسمُكُمُ * مُؤَمَّلٌ منكمُ السّمحانَ أن تَـهَبُوا

فَاقْبَلْ خِطابي وعُذْري إنّني رجلٌ * لم أشربِ الكاسَ مُرّاً مثل ما شَرِبُوا

ثُمَّ الصلاةُ على المختارِ شافِعِنا * نِبِيِّنا المصطفى مع صحبهِ النجُبُ"[10]

 

الورقة الأولى من القصيدة



الورقة الثانية من القصيدة




[1] - محمود شكري الآلوسي، بدائع الإنشاء، ويليه: رياض الناظرين في مراسلات المعاصرين الرسائل المتعلقة بقطر وأعلامها، تحقيق: خالد بن محمد بن غانم آل ثاني، 1436هـ=2015م.

[2] - ثم تقاعد بعد ذلك، بارك الله في أيامه.

[3] - ناصر بن جوهر الخيري، قلائد النحرين في تاريخ البحرين، تحقيق: عبدالرحمن بن عبدالله الشقير (البحرين: مؤسسة الأيام، 1424هـ=2003م): 345.

[4] - الموافق لعام (1878م).

[5] - عبدالرحمن الشقير، قطر في مذكرات ابن مانع، مسوَّدة مرقومة على الحاسب: 50.

[6] - طالع لترجمة الشيخ محمد بن ثاني بتوسع: خالد بن محمد آل ثاني، مدونات الأسرة الحاكمة في قطر (قطر: د.ن، 1437هـ=2016م). عبدالعزيز عبدالغني إبراهيم، قطر الحديثة قراءة في وثائق سنوات نشأة إمارة آل ثاني (لندن: دار الوراق، 1434هـ=2013م).

[7] - الـجُونِيَّة: ظرفٌ من القماش تُحفظ فيه القهوة له حجم معلوم، قال السعيدان: هي "كيس الخيش، واللفظة فارسية ﮔـوني، الجمع جُوَاني، ويقول الكويتيون جونية عندما يكون الكيس مملوءاً، أما إذا كان فارغاً فيُقال: خيشة، نحو جونية عيش أو سكر". حمد السعيدان، الموسوعة الكويتية المختصرة، ج.1 (الكويت: وكالة المطبوعات، 1401هـ=1981م): 351.

[8] - الطواويش: تُجَّار اللؤلؤ. حمد السعيدان، الموسوعة الكويتية المختصرة، ج.2: 939.

[9] - كذا في الأصل، ولعل صوابها: ترضاهُ.

[10] - محمد بن حمد العسَّافي، كُنَّاش، مخطوط في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض: ق141-142.