يحيى الكندري

يحيى الكندري

الأربعاء، 23 مارس 2022

(سرور الفؤاد بالصافنات الجياد) للشيخ محمد بن إسماعيل العمري (القرن 12هـ=18م تقديراً) من مصادر تاريخ الأرسان الحديثة

  

نشرت هذه المقالة سلفاً في رسالة الجواد العربي
الصادرة عن مركز الجواد العربي (بيت العرب)
العدد 48 - الأول من عام 2022



تمهيد:

يُعدُّ مخطوط (سرور الفؤاد بالصافنات الجياد) من أهم مصادر الأرسان الحديثة، التي تؤرخ لها في زمن متقدم، وهو يسبق في تاريخ تأليفه العديد من المصادر الأصلية في الباب مثل: (أصول الخيل) لعباس باشا، ويتميز بذكر الأرسان ومرتبطيها من قبائل العراق، وقد ألفه مصنفه لأحد ولاة العراق العثمانيين، الذي اشتهروا بالفروسية، وهو أحمد باشا والي بغداد، وسأستعرض في هذه المقال، عصر المؤلف وبعض الإشارات حول شخصيته المجهولة، وترجمة الوالي الذي أمر بتصنيف الكتاب وعنايته بالفروسية، إلى جانب أهم ما ورد في الكتاب من حديث حول الأرسان وأهلها من قبائل العراق في العصر العثماني. معتمداً في عملي هذا بعد الله تعالى على نسختين خطيتين من الكتاب. 


المؤلف وعصره:

في القرن الثاني عشر الهجري/ القرن الثامن عشر الميلادي أَلَّفَ الشيخ الأديب محمد بن إسماعيل العمري كتابه (سرور الفؤاد بالصافنات الجياد) بأمر أحمد باشا كما يقول في أوَّله[1]، وعلى أني لم أجد ترجمة المؤلف وسيرته إلاَّ أن بعض الإشارات قادتني إلى اكتشاف شخصية الباشا، وتقدير مكان وزمان تأليف الكتاب.


أحمد باشا الذي أمر بتصنيف الكتاب:

أحمد الباشا المذكور في صدر المخطوط هو أحمد باشا ابن حسن باشا (ت 1160هـ= 1747م)، والي بغداد[2]، والمطالع لنصوص الكتاب يدرك أن مؤلفهُ من أهل العراق بطريق ذكره لمرابط القبائل المتوطنة بأرض العراق يومئذ: كزُبيد وبني جميل وطيّء وربيعة والتركمان، وتسميته لمرابط كل قبيلة على حدة، وكان لجُلِّ هذه القبائل وقائع وحوادث في أيام ولاية أحمد باشا رحمه الله، وكانت للباشا دولة وصولة على أهل الشر والفتن منهم حسب رواية الشيخ عبدالرحمن السويدي في (حديقة الزوراء في سيرة الوزراء) عند سرده لوقائعه معهم، خصوصاً المعتدين منهم أثناء انشغاله بردّ هجمات طهماسب ونادر شاه[3]، بينما يرى العزاوي أن أحمد باشا كان "قاسياً على العشائر العربية والكردية"[4]، و"أنَّ الحكومة كانت تختلق أنواع الأسباب للوقيعة بالعشائر كلما أَحَسَّت من نفسها بقوة بأمل النهب والسلب، وهذا ما أَحْكَمَ العِداء بين العشائر والحكومة، بحيث صار كلٌّ ينتظر الفرصة للوقيعة بصاحبه"[5].

وقد كان أنَّ أحمد باشا فارساً مجيداً، وكان له اهتمام وولع بالصيد وألعاب الفروسية، إلى جانب ما أُثِرَ عنه من تقريب العلماء ومباحثتهم، وقد تولى أحمد باشا مقاليد ولاية بغداد مرتين، الأولى عام (1136هـ= 1724م)، والثانية عام (1149هـ= 1734م)، وذكر العلامة عبدالرحمن السويدي في (حديقة الزَّوْراء) عن الباشا: "أنَّهُ يُـجيدُ الطعن بالسَّمْهَرِيَّة، ويُـحْسِنُ اللعب فوق الخيول العِرابيَّة، حتى إنَّه الغاية في هذا الشأن، والـمُفْرَدُ في هذا النوع ليس له ثان"، وقال يصفُ تنزُّهَهُ بعد استقرار الأحوال في العراق عام (1142هـ= 1730م): "واشتغل الدستور بلعب الخيل والاصطياد، مُسَرِّحاً طَرْفَهُ وطَرَفَهُ بين الرياض والغياض من أكناف بغداد"[6]، ومن شواهد شجاعته العظيمة قصته مع الأسد الذي اعترضه في رحلة صيد، وقد رواها غير واحد من المؤرخين[7]، وأورث أحمد باشا فروسيته وجلده لمماليكه حتى سمَّاه العلامة محمد سعيد السويدي: "مُرَبّي الشجعان"[8]، وقال يذكر تربيته لمملوكه وصهره سليمان باشا والي بغداد: "واعتنى كثيراً بركوب الخيل، وتعلم صناعات الفروسية، فصار واحد زمانه، وفريد أوانه"[9].

كما كان أحمد باشا معتنياً بالعلم، موقِّراً للعلماء، ومجلسه عامر بهم، مشحون ببث المسائل والمناظرات[10]، ومن صور إكرامه للعلماء والفقهاء إهداؤه الخيل الكريمة إلى بعضهم كالشيخ عبدالله السويدي، الذي أهداهُ الباشا فرساً نجيبة اسمها (سَكاب) عام (1159هـ= 1747م)، فكتب ابناهُ العالمان الجليلان عبدالرحمن ومحمد سعيد قصيدتين يشكران فيها أحمد باشا على هذه الهدية الثمينة[11].



الوزير أحمد باشا والأسد

مصدر اللوحة: تقويم أبو الضياء توفيق

 

نسخ الكتاب الخطيَّة:

وتؤكد تواريخ نساخة مخطوطات (سرور الفؤاد) صحة توقعنا بأن المقصود بأحمد باشا هو أحمد باشا بن حسن كوجك الأيوبي والي بغداد؛ فكلها قريبة جداً من عصره، وللكتاب ثلاث نسخ خطيَّة طالعت نسختين خطيتين منها، النسخة الخطية الأولى: نسخة خطيَّة محفوظة بمكتبة بغدادلي وهبي بإسطنبول، نسخت عام (1255هـ= 1840م)، والنسخة الخطية الثانية: نسخة خطيَّة محفوظة بالمكتبة الخالديَّة بمدينة القدس، رَدَّها الله وحرَّرها من يد الصهاينة الغاصبين، كان تمام نسخها في التاسع عشر من ربيع الثاني عام (1264هـ= 1848م)، والشكر لأخي الشيخ عادل عبدالرحيم العوضي الذي ساعدني كثيراً في الحصول على هذه النسخة الخطية، كما أنَّ هنالك نسخة خطيَّة ثالثة من الكتاب وقف عليها ونوَّه بها المؤرخ إسماعيل بن محمد الباباني البغدادي (ت 1339هـ= 1920م) في مصنَّفه (إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون)، وذكر أن خاتمتها مؤرخة بالعام (1276هـ= 1860م)[12]، وقد ظنَّ رحمه الله أن هذا التأريخ هو تأريخ التأليف، والظاهر أنه تاريخ كتابة النسخة التي وقف عليها، والنسختان اللتان وقفتُ عليهما أقدم.

وللأسف الشديد أني لم أقف على أي مصدر يدلُّ على خبر مؤلف الكتاب وسيرته في كتب التراجم والسير التي بين يديّ، بل لم يُشِرْ إلى هذا الكتاب أحدٌ من جامعي الببليوغرافيا العراقيين الـمُحْدَثين، حتى أنَّ العلامة عبَّاس العزاوي عندما تحدث عن أهم كتب الخيل التي وقف عليه لم يورده من بينها[13]، ولعلهم لم يطلعوا عليه، فسبحان الذي لا تخفى عليه خافية، ورغم ما سبق فإنَّ القرائن التي سُقْتها مشعرة بجلاء أن العمريَّ مؤلِّف عثمانيٌّ كان حيّاً في العراق إبَّان أواسط القرن الثاني عشر الهجري/ الثامن عشر الميلادي.



غلاف نسخة مكتبة بغدادلي وهبي بإسطنبول



غلاف نسخة المكتبة الخالدية بالقدس الشريف - حررها الله -



حديث العمري في (سرور الفؤاد) حول الأرسان الحديثة:

وتكمن أهميَّة كتاب (سرور الفؤاد) في أنَّ مؤلفه الشيخ محمد بن إسماعيل العمري قد ذكر في الفصل الثاني من كتابه  الكثير من أرسان الخيل العربيَّة الحديثة، ورتبها فيه على حسب القبائل التي تملك مرابطها، وصرَّح بأنه قد أفرد هذا الفصل بيان "أنواع الخيل العربيَّات وأسمائها ونسبها إلى قبائلها"[14]،  وكتابه هذا من أهم التدوينات العربية في هذا المجال، وتدوينه سابقٌ لتدوين الكتاب المعروف (بأصول الخيل) المؤلَّف برسم عباس باشا الأوَّل والي مصر بحوالي عشرين عاماً، وبيننا تصنيف (سرور الفؤاد) قرابة ، وهو يسبق بذلك جميع التدوينات الغربيَّة حول الأرسان، ولعل عمله هذا هو أوَّل قائمة عربيَّة بأسماء أرسان الخيل العربية الحديثة، وسأنتخب من هذا الفصل أسماء بعض الأنواع المشهورة المخبورة من الأرسان الحديثة، مرتبةً على القبائل اقتداءً بصنيع مؤلف (سرور الفؤاد)، وهي حسب ورودها عنده:

1-              الكحيلة الطريفية، والمعنقية، والشميطة من خيل بني جميل[15].

2-              كحيلة الحرقاء، والكحيلة المرعانية، والدهماء أم عامر، والكحيلة الجعيثنية، والكحيلة الدعجانية، وكحيلة الرعيل، وكحيلة الغزالة، وكحيلة الحسني: من خيل طيّء.

3-              الصقلاوية، وكحيلة العماوي: من خيل بني قيس.

4-              أم عرقوب، والسِّعْد، والجلفة، والكحيلة النوفلية: من خيل ربيعة.

5-              والفريجية: من خيل بني خالد.

6-              الكحيلة المخلدية، والكحيلة المرعانية، والهدباء، والعبية، وكحيلة العجوز، وكحيلة أبو صرّة: من خيل نجد[16].

7-              الكبيشية، والسمحة: من خيل بني زيد[17].

8-              الكبيشة: من خيل المفارجة.

9-              كحيلة الشامي: من خيل بني هلال.

10-         كحيلة الكري، والكحيلة الخلاوية، وكحيلة أبا عمر، والطويسة: من خيل التركمان[18].


هذه هي أسماء المرابط المشهورة التي أوردها، والأرسان المخبورة التي ذكرها، وعِدَّتُـها اثنان وثلاثون مربطاً، خلا الأسماء الأخرى التي جاء على ذكرها ولم أعرفها، ولعلها مرابط من الخيل الشمالية أو أرسان انقطعت لا وجود لها اليوم، وعلى أنَّ العمري لم يفصِّل خبر هذه المرابط كما فعل مدوّنوا كتاب (أصول الخيل) المؤلّف برسم عباس باشا إلا أن كتاب العمري يظل أقدم قائمة تعدد أرسان الخيل العربية الحديثة على وجه الإطلاق، وهو أقدم من  عمل عبَّاس باشا بأكثر من مئة عام إذا تغاضينا وجعلنا تاريخ تدوين (سرور الفؤاد) في عام وفاة أحمد باشا (1160هـ= 1747م) على وجه التقريب، وإلا فهو مدوَّن ومصنَّف قبل ذلك بزمن ولا ريب، وتاريخ تدوينه التقديري هذا سابقٌ لجميع التدوينات الغربية في مجال الأرسان الحديثة، مما يؤكد أنَّ علماء العرب هم الروَّاد السابقون في الحفاظ على العِتْقِ والنَّجابة، والمدوّنون الأوائل لأنساب العراب وتأريخ الأرسان قبل أي أمة، غير أنَّنا بحاجة ماسَّة لإحياء تراثنا بنشر المطوي من صفحاته، وبعث المكنون من مخطوطاته ليتضح الحال، ويكمل المقال.




موضع ذكر الأرسان من نسخة مكتبة بغدادلي وهبي بإسطنبول






موضع ذكر الأرسان من نسخة المكتبة الخالدية بالقدس الشريف - حررها الله -

 

لمن أراد الاطلاع على المقال منشوراً في رسالة الجواد العربي العدد ٤٨:

https://baitalarab-kw.com/uploads/public/pdf/dgzqqf6bi4qbqmgw8ipgjfhj.pdf



[1] - محمد بن إسماعيل العمري، سرور الفؤاد بالصافنات الجياد في معرفة الخيل وأسمائها (القدس: المكتبة الخالدية، رقم 1470): ق2/أ – ق2/ب.

[2] - طالع لترجمته: عبدالرحمن بن عبدالله السويدي، ت 1220ه= 1805م، حديقة الزوراء في سيرة الوزراء، تحقيق عماد عبدالسلام رؤوف (بغداد: المجمع العلمي، 1423هـ= 2003م): 223-609؛ علي شاكر علي، تاريخ العراق في العهد العثماني 1638-1750م / 1048-1164هـ دراسة في أحواله السياسية (نينوى: مكتبة تموز، 1405هـ= 1985م): 113-116؛ عباس العزاوي، العراق بين احتلالين، ج.5 (بيروت: الدار العربية للموسوعات، 1425هـ= 2004م): 246-326؛ محمد سعيد بن عبدالله السويدي، ورود حديقة الزوراء بورود وزارة مواليهم في الزوراء، تحقيق عماد عبدالسلام رؤوف (سوريا: دار الزمان، 1433هـ=2012م): 34-35؛ رسول الكركوكلي، دوحة الوزراء في تاريخ وقائع بغداد الزوراء، ترجمة موسى كاظم نورس (بغداد: مكتبة النهضة، د.ت): 19-95.

[3] - علي شاكر علي، تاريخ العراق في العهد العثماني: 114.

[4] - عباس العزاوي المحامي، العراق بين احتلالين، ج.5: 325.

[5] - عباس العزاوي المحامي، العراق بين احتلالين، ج.5: 325، 384-385.

[6] - عبدالرحمن بن عبدالله السويدي، حديقة الزوراء في سيرة الوزراء: 280، 307.

[7] - عبدالرحمن بن عبدالله السويدي، حديقة الزوراء في سيرة الوزراء: 330-334؛ عباس العزاوي المحامي، العراق بين احتلالين، ج.5: 266-268.

[8] - محمد سعيد بن عبدالله السويدي، ورود حديقة الزوراء بورود وزارة مواليهم في الزوراء: 35.

[9] - محمد سعيد بن عبدالله السويدي، ورود حديقة الزوراء بورود وزارة مواليهم في الزوراء: 36.

[10] - عبدالرحمن بن عبدالله السويدي، حديقة الزوراء في سيرة الوزراء: 308.

[11] - عبدالرحمن بن عبدالله السويدي، حديقة الزوراء في سيرة الوزراء: 578-580.

[12] - إسماعيل بن محمد البغدادي، إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون، تحقيق محمد شرف الدين يالتقايا ورفعت بليكة الكليسي، ج.2 (إسطنبول: وكالة المعارف الجليلة، 1366هـ= 1947م): 13.

[13] - عباس العزاوي، موسوعة عشائر العراق، ج.1 (بغداد: مطبعة بغداد، 1365هـ= 1937م): 377-378.

[14] - محمد بن إسماعيل العمري، سرور الفؤاد بالصافنات الجياد في معرفة الخيل وأسمائها: ق3/أ.

[15] - محمد بن إسماعيل العمري، سرور الفؤاد بالصافنات الجياد في معرفة الخيل وأسمائها: ق10/ب، 11/أ. وقال العزاوي عن بني جميل: "لا تزال بقاياها في عشيرة المجمع، ولم تعرف اليوم مستقلة بهذا الاسم". عباس العزاوي المحامي، العراق بين احتلالين، ج.5: 249.

[16] - محمد بن إسماعيل العمري، سرور الفؤاد بالصافنات الجياد في معرفة الخيل وأسمائها: ق10/ب.

[17] - محمد بن إسماعيل العمري، سرور الفؤاد بالصافنات الجياد في معرفة الخيل وأسمائها: ق10/ب – 11/أ. بنو زيد عشيرة مستقلة معدودة من عشائر قبيلة زُبيد العراقية، وأكثرها مقيم في نواحي الغراف، ونخوتها: (زيود). جميل إبراهيم حبيب، العشائر الزبيدية في العراق ومتفرعاتها والملحقة بها مع إشارة إلى صلاتهم بالقحطانيين (بغداد: مكتبة ودار ابن النديم، 1410هـ= 1990م): 54-55.

[18] - محمد بن إسماعيل العمري، سرور الفؤاد بالصافنات الجياد في معرفة الخيل وأسمائها: ق11/أ.