يحيى الكندري

يحيى الكندري

السبت، 23 أكتوبر 2021

(الغُرَر في وُجوهِ أهلِ القَرْنَيْنِ الثاني عشر والثالث عشر) و(مُنَظَّم الجَوْهَر في مدائح حِمْيَر) تاريخان مفقودان للمؤرخ عثمان ابن سند (ت1242هـ = 1827م)

بسم الله الرحمن الرحيم

 الشيخ عثمان ابن سند، عالمٌ أديب، ومؤرخٌ رُحْلَة، وفقيهٌ مالكيٌّ، من أشهر أعلام القرن الثالث عشر الهجري، نجديُّ الأصل، بصريُّ الإقامة، بغداديُّ الوفاة، ولد عام (1180هـ=1766م)، وتوفي عام (1242هـ=1827م)، له تصانيف في اللغة والعروض والأدب، والتاريخ والتراجم، وترجمته مشهورةٌ مذكورة عند الآلوسي في (المسك الأذفر)، والبيطار في (حلية البشر)، والحيدري في (المجد التالد)، وعبدالله باش أعيان في (أعيان البصرة)، وعباس العزاوي في (تاريخ الأدب العربي في العراق)، والشيخ عبدالله البسام في (علماء نجد)، والشيخ عدنان الرومي في (علماء الكويت)، وممن أفرده بالترجمة الأستاذ خالد سالم محمد رحمه الله (توفي 2021م) في كتابه (الشيخ عثمان بن سند العلامة الذي وُلِدَ في جزيرة فيلكا)، وغيرهم.

وهو من العلماء الذين تتنازع نسبتهم إليها الأقطار، فهو نجديُّ الأصل، قيل أنه نشأ بالكويت فنسبه إليها بعض الباحثين، زُبارِيٌّ منسوبٌ إلى زبارة قطر لإقامته بها مع ابن رزق زمناً، بصريٌّ لسكناه بالبصرة جُلَّ عمره. ولعل نسبته إلى نجد بحكم الأصل، والبصرة بحكم السكنى الطويلة أكثر الأقوال دليلاً واتضاحاً.

ومن نوادر أخبار صلاته النجدية، رسالة وقصيدة وردتا في (ديوانه) المخطوط المحفوظ بمكتبة خدابخش بتنه بالهند، بعث بهما الشيخ عثمان ابن سند إلى الشيخ عبدالعزيز بن عثمان بن عبدالجبار الشبانة (ت1273هـ)، وفيها يقول بعد المقدمة: "فقد وَرَدَتْ أَلوكَتُكَ الـمُسْفِرَةُ عن صِحَّتِك، الـمُشْعِرَةُ بِصَفاءِ خُلوصِكَ ومَوَدَّتِكَ، إلى فَقيرٍ ما زالَ مُتَشَوِّقاً لِوُرودِها، فَذَكَّرَتْهُ من رُبى نَجْد سَوالِفَ عُهودِها، فَبَكى عِنْدَما تَلاها طَرْفُه، وتَرَنَّحَ قَلْبُه، وماسَ عِطْفُه، فَأَنْشَدَ:

1

أَسُكَّانَ نَجْدٍ إِنَّني الشَّيِّقُ الذي

إذا ذُكِرَتْ نَجْدٌ وأَطْلالُها حَنَّا

2

لَهُ زَفَراتٌ جَمَّةٌ ولَواعِجٌ

متى شامَ مِنْ أَرْجاءِها بارِقٌ عَنَّا

3

وما ذاكَ إلاَّ أنَّ فيها أَعِزَّةً

عَلَيْهِ متى لاحوا لِناظِرِهِ جُنَّا

4

يـَميناً لَـما أَبْقى مِنَ الدَّمْعِ قَطْرَةً

لَدُنْ هَجْرِهِمْ شَعْواءَ غاراتِهِ شَنَّا"


رسالة ابن سند إلى ابن شبانة من (ديوان ابن سند)

والحديث عن الشيخ عثمان وسيرته ذو شجون، وهو حديثٌ يطول، وقد سبق إليه عدة فضلاء كما أسلفنا، لكن الذي يعنينا في هذه المقالة هو الإشارة إلى كتابين من كتبه التاريخية المفقودة، هما كتاب (الغُرَر في وُجوهِ أَهْلِ القَرْنَيْنِ الثَّاني عَشَرَ والثَّالِثِ عَشَر)، وكتاب (مُنَظَّم الجوهر في مدائحِ حِمْيَر).

أما (مُنَظَّم الجوهر في مدائحِ حِمْيَر)، فيظهر أنه صنَّفه في تراجم آل الشاوي، شيوخ قبيلة العُبيد، فقد كان لابن سند صلة بهم، قال عبدالله ضياء الدين باش أعيان: "كان إذا دخل بغداد يكون نزيلاً عند آل شاوي بك، وله فيهم مدائح جمة"[1]، ونسبهم غير واحدٍ إلى حمير، كالحيدري والآلوسي، وقد رد على هذه النسبة غير واحد من المؤرخين، وليس هذا محل بحثها.

ومن شعر عثمان بن سند الذي ينسب فيه آل الشاوي إلى حِـمْيَر، قصيدةٌ مخطوطة نظمها في مدح محمد بك الشاوي عام (1214هـ)، وجدتها ملحقةً برسة عثمان ابن سند إلى عبدالله أغا، مُتَسَلِّم البصرة، وهي ضمن مجموع مخطوط فيه ست رسائل لابن سند[2]، ومن أبياتها:

1

إنما حِمْيَرُ العرباءُ هامُ الورى طُرّا

وأنتَ (ابنُ عبداللهِ) مُكْسِبُها فَخْرَا

2

فلا غَرْوَ أَنْ فاخَرْتَ كلَّ مُفاخِرٍ

وسامَيْتَ بَدْرَ الجودِ والشَّمْسَ والغَفْرا

3

سَمَتْ بك قحطانُ بن يَعْرُبَ رُتبةً

بها فاخَرَتْ في فَخْرِها مُضَر الـحَمْرَا

وقد ترجم الشيخ عثمان لممدوحه محمد بن عبدالله الشاوي في (سبائك العسجد)[3]، ولم تظهر حتى الآن نسخة خطيَة من (مُنَظَّم الجوهر) تجعلنا نقطع جازمين بخبره أو موضوعه.

والكتاب الثاني: (الغُرَرُ في وُجوهِ أَهْلِ القَرْنَيْنِ الثَّاني عَشَرَ والثَّالِثِ عَشَر)، أشهر من تحدث عنه هو الشيخ محمد مراد بن محمد بن حسن الشطِّي الحنبلي الدمشقي (ت1314هـ)، أحد كبار علماء الحنابلة بدمشق، ونقل حديثه ابن أخيه الشيخ محمد جميل الشطي في كتابه (مختصر طبقات الحنابلة)، وقد تم تداول هذا الحديث وتناقله بين المصادر، أحياناً بالعزو إليه، وأحياناً بلا عزو. يقول الشيخ محمد مراد بن محمد بن حسن الشطِّي الحنبلي الدمشقي (ت1314هـ) متحدثاً عن الشيخ عثمان ابن سند[4]: "وله تاريخٌ على نحو (سلافة العصر)، سمَّاهُ (الغرر في وجوه القرن الثالث عشر)، لم يتمّ". ونقل الشيخ محمد بن حمد العسافي (ت1394هـ) كلام الشطي بنصِّه في ترجمته لابن سند[5]، ولم يزد عليه أي خبر أو توضيح، وقال الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن البسام[6]: "(الغُرر في وجوه وأعيان القرن الثالث عشر)، ولكنه لم يتم"، والبسام ينقلُ بكثرة عن الشطِّي في ترجمته لابن سند، ولا يُحيل، وقد أضاف على العنوان كلمة "وأعيان"، ولم يذكر مصدره.

وممن ذكر كتاب (الغرر) العلامة عبدالرزاق بن إبراهيم البيطار الدمشقي (ولد1253هـ/ت1335هـ) في كتابه (حلية البشر)، فقد ترجم لابن سند في حرف الباء، وسماه: "بدر الدين، أبو النور، عثمان بن سند"، وذكر أنَّ الشيخ عثمان ابن سند أرسل في عام (1225هـ) رسالةً إلى الشيخ غَنَّام النجدي الزبيري، نزيل الشام (ت1237هـ)، يذكر فيها مؤلفاته وتصانيفه ثم قال "وذكرَ أيضاً أنَّ له تاريخاً على نَـحْوِ (سُلافة العصر) سَمَّاهُ (الغُرر في وُجوه القرن الثالث عشر)، وطلبَ منه إرسالَ ما تَيَسَّر له ترجمته من أَجِلَّاءِ دمشق"[7].

وقد وقفتُ على نصَّين صريحين بقلم الشيخ عثمان بن سند يذكر فيهما كتابه هذا، النص الأول في كتابه (أصفى الموارد)، حيث يقول في ترجمة الشيخ عبدالرحيم الزياري[8]: "ولقد ذكرتهُ في كتابي (الغُرر)، ونثرتُ من أخباره الدرر، وكررتُ ذكرهُ تكرير البخاريِّ حديثَ بريرة، ومدحتُ فخرهُ بقصائد كأوصافهِ مُنيرة"، وقد انتهى ابن سند من تصنيف (أصفى الموارد) عام (1234هـ) أي قبل وفاته بثمان سنوات.


ترجمة الزياري من (أصفى الموارد)

والنص الثاني في (ديوانه) المخطوط، فقد ذكر أن قاضي البصرة عبدالقادر الحيدري طلب استعارته عام (1231هـ) أي قبل أن يتوفى الشيخ عثمان بأكثر من عشر سنين، ولا ندري هل طلب استعارة مسودة الكتاب أم مبيضته، لكن النص مشعر بأن الكتاب قد تمَّ، وربما يكون غير ذلك. يقول الشيخ عثمان ابن سند في (ديوانه) المخطوط[9]: "ولهُ[10] في عبدالقادر أفندي، القاضي بالبصرة، وقد طلبَ منهُ كتابَ (الغُرر في وجوه القرنين الثاني عشر والثالث عشر) سنة (1231):

أتطلُّباً غُرَراً زَهَتْ

إنَّ الوجوهَ لها مَحالْ

تَرومُها من غيرِ وَجْـ

ـهٍ إنَّهُ مِنْكَ الـمُحالْ

يكونُ وجهاً من غَدا

عن أن يراكَ هو الـمِحال"

وجاء في هامش المخطوط عند كلمة "محال" في البيت الأول ما نَصُّهُ: "جمع مَحَلّ، مخفف للام للوزن". وعند كلمة "المحال" في البيت الثاني ما نصُّهُ: "أي مستحيل".

وعبدالقادر المذكور هو الشيخ عبدالقادر أفندي بن عبيدالله الكردي، ثم الماوراني، البغدادي، الحيدري، التقى به ابن سند عام (1214هـ)، وقد تولى قضاء البصرة مرتين، الأولى في أيام سعيد باشا ابن سليمان، والثانية في أيام داود باشا – ممدوح ابن سند –، وقد امتدحهُ الشيخ عثمان بعدة مدائح، ذكر منها أربعاً في خلال ترجمته في (أصفى الموارد)[11]. وقد ترجمهُ ابن سند في عدة مواضع من كتبه، منها: (مطالع السعود)، وغيرها، وذكره في (الديوان) في عدة مواضع.


أبيات ابن سند في القاضي الحيدري من (ديوانه)

أمَّا (سلافة العصر) التي ذكرت عند البيطار والشطي، وقيل أن (الغرر) على نحوها، فهي (سلافة العصر في محاسن الشعراء بكلِّ مصر) للأديب الشاعر علي بن أحمد بن محمد بن معصوم، الحسني الحسيني، المعروف بعلي خان بن ميرزا أحمد، الشهير بابن معصوم، وهو عالمٌ بالأدب والشعر والتراجم، ولد بمكة سنة (1052هـ)، وتوفي بشيراز عام (1119هـ)، وله عدة تصانيف ورسائل[12]. وقد طبعت (السلافة) عدة طبعات، من أقدمها: طبعة صدرت عام (1324هـ=1904م) على نفقة سعادة عزيز بك زند، وكتب على غلافها: "يطلب من محل أحمد ناجي الجمالي، ومحمد أمين الخانجي الكتبي وأخيه، بشارع الحلوجي بمصر"، ويبدو أن هذا المحل هو نواةٌ للدار التي اشتهرت لاحقاً باسم "مكتبة الخانجي"، ويقع في (607) صفحات. ومنها: طبعة نشرت على نفقة الشيخ أحمد بن علي بن عبدالله آل ثاني رحمه الله في مطابع علي بن علي بالدوحة عام (1962م). ومن آخر طبعاته صدوراً: طبعة دار كنان عام (1430هـ=2009م)، بتحقيق محمود خلف البادي.

وكتاب ابن معصوم مشحون بالسجع، والأشعار المنتخبة، وهو الأسلوب الذي اختاره ابن سند لكتبه التأريخية التي وصلتنا: (مطالع السعود) و(سبائك العسجد) و(أصفى الموارد)، قال عباس العزاوي[13] يصف أسلوب ابن سند الأدبي: "وفي نثره الأدبي فاق رجال عصره، وكان يُراعي السجع كما هو مألوف أهل زمانه، وهو أشبه بالمقامات، ولم يذم النثر المرسل، ونثره غير معقد، وإنما هو لطيف رائق".

ونخلص مما سبق إلى عدة نتائج، أهمها أن ابن سند بدأ بتصنيف كتاب (الغرر) نحو عام (1225هـ)، واستكتب بعض العلماء تراجمهم، بدليل رسالته إلى الشيخ غنام النجدي، وأنه قد أتم كتابة (الغرر) قبل عام (1231هـ)، بدليل طلب صديقه القاضي عبدالقادر الحيدري استعارته منه، وردِّهِ بأبيات توحي برفضه للإعارة، وربما يكون السبب في ذلك رغبة ابن سند في التنقيح والتحقيق والزيادة عليه، أو لأسباب أخرى، وربما يكون من قبيل المداعبة والمشاكسة بين الأقران، وبين التاريخين سبع سنوات.

ويستفاد أيضاً من تشبيه (الغرر) (بالسلافة) أن نمط الكتاب لا يخرج في الشكل عن طريقة ابن سند المعتادة في التأليف، من حيث تكلف الأسجاع، والإكثار من إيراد الأشعار، وأغلبها من نظمه، قال عبدالله ضياء الدين باش أعيان بعد أن ذكر (مطالع السعود) و(سبائك العسجد) و(أصفى الموارد)[14]: "وكل ما في هذه الثلاثة كتب فهو من نظمه خاصةً، ولم يذكر فيها من شعر أحد غيره".

كما يتبين أن موضوع كتاب (الغرر) هو تراجم لأعلام وشعراء الأقطار في عصره، وليس مختصاً بمدينة أو إقليم أو مسلك كما كانت كتبه السابقه، فـكتاب (سبائك العسجد) لتراجم لآل رزق وأصحابهم من العلماء والتجار، وشيوخ البلاد التي حلُّوا بها، و(مطالع السعود) لترجمة داود باشا، وحوادث دولته، كما ذكر فيه بعض أعيان العراق، و(أصفى الموارد) لترجمة الشيخ خالد الكردي، وبعض تلاميذه ومريديه.

ولم أطلع حتى الآن على نسخة خطيّة من (الغرر) تجعلني أقطع بمنهجية ابن سند فيه، إنما استقيت ما سلف من المصادر والنقول، وعسى أن تظهر هذه التصانيف، لتكمل وجه تاريخنا المحلي الذي لم ينشر منه إلا النزر اليسير.

 



[1] - عبدالله ضياء الدين باش أعيان، أعيان البصرة: 16. والشكر الوافر للأخ الكريم، والشيخ المفيد، حسن بن عبدالرحمن آل حسين وفقه الله، الذي تفضَّل علي بصورة من هذا المطبوع النفيس، وأصله في مكتبة الشيخ أحمد بن علي آل مبارك، شيخ أدباء الأحساء، رحمه الله وغفر له.

[2] - المجموع المذكور مودع بالخزانة التيمورية الملحقة بدار الكتب المصرية، تحت رقم: 457 أدب تيمور.

[3] - عثمان ابن سند، سبائك العسجد: 82-83.

[4] - محمد جميل الشطي، مختصر طبقات الحنابلة: 181.

[5] - محمد بن حمد العسافي، مخطوط في التراجم، نسخة مكتبة جامعة الإمام محمد بن سعود رقم 9164: ق34/ب.

[6] - عبدالله البسام، علماء نجد، ج.5: 149.

[7] - عبدالرزاق بن إبراهيم البيطار، حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر، ج.1: 410-411.

[8] - عثمان ابن سند، أصفى الموارد: 33.

[9] - عثمان ابن سند، ديوان شعر، نسخة مكتبة خدابخش بالهند رقم 1773: ق17/ب.

[10] - أي ابن سند.

[11] - عثمان ابن سند، أصفى الموارد: 112-115.

[12] - لترجمته خير الدين الزركلي، الأعلام، ج.4: 258-259.

[13] - عباس العزاوي، تاريخ الأدب العربي في العراق، ج.2: 220.

[14] - عبدالله ضياء الدين باش أعيان، أعيان البصرة: 16.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق