الأحد، 29 مارس 2015

رحلة الشاعر العارضي من الأحساء إلى بر فارس (1293هـ=1876م) وثلاث قصائد في مدح الشيخ مذكور النصوري (ت1295هـ=1878م)


 

مقدمة:

إن تأريخ المنسي كإحياء الأرض الميتة، والتذكير بالأوائل شيمة الأفاضل، ومن أولئك المنسيين الأمير الجليل مذكور بن جبارة بن مذكور بن محمد بن حاتم بن جبارة بن ياسر بن منصور بن خالد بن مهنّا، النُّصورِيُّ، الجَبْريُّ، الخالِدِيُّ (ت1295هـ)، أمير الجبور وشيخهم في برّ فارس، وله وقائع مشهورة في تاريخ بر فارس، منها تحالفه مع عبيدل وآل علي في غزو لنجة، ورفضه أوامر خان بستك بستك مصطفى بن أحمد العباسي، وحاكم شيراز والجنوب قوام الملك علي محمد خان، وإعلانه الاستقلال عن الحكومة المركزية، حتى قيل أنه ضرب نقوداً باسمه، وقد انتهى أمره بالقتل غدراً على يد الإيرانيين بعد حصار طويل لقلعة كلات سرخ والتي كان مستعصماً بها لمدة ستة أشهر، وتم شنقهُ في شيراز عام (1295هـ=1878م) رحمه الله وغفر له.

وقد وقفتُ على ثلاثة قصائد نادرة في مدحه للشاعر الأحسائي سليمان بن حمد بن عيد العارضي (كان حيًّا 1293هـ)، قالها في رحلته إلى برِّ فارس، وفيها تفاصيل رحلته، وتنقله بين قيس ولنجة، ولقاءه بالشيخ مذكور النصوري، أنشرها هنا لأول مرة، وقد حفظها لنا من الضياع الشيخ المؤرخ محمد بن حمد العسَّافي (ت1394هـ) ضمن مجموع أدبي بخطِّه، وقد نقلت القصائد على عِلاَّتها، وبعض أبياتها تحتاج إلى إصلاح وتقويم.

ويصف الشاعر الشيخ مذكور بأوصاف اشتهرت عنه كالكرم والشجاعة، ويعرّض بذكر وقائعه مع آل حرم في ذي الحجة من عام (1282هـ) وقد أفناهم وشتتهم بعد أن قتلوا أخاه الشيخ حسن.

كما نَصَّ على اسم وزير الشيخ مذكور لأول مرة، وهو علي أحمد زاهد، وقد وصمه بابن العلقمي بعد أن عطّل صرف المكافأة التي قررها له الشيخ مذكور.

ويبدو أن هذا الوزير من آل زاهد العباسيين سكّان لنجة، وهم بيت تجارة ووجاهة، وبينهم وبين آل زينل قرابة ومصاهرة، وربما يكون علي زاهد الكبير المتوفى سنة (1295هـ)، وكان أول أمرهم في كنكون، ثم انتقلوا إلى لنجة، وملكوا السفن الشراعية، وصارت لهم التجارة العريضة، ولهم في لنجة بِرَكٌ وصدقات ومآثر، وانتقل بعضهم إلى جُدَّة وزاولوا التجارة فيها.

ترجمة الشاعر:

هو الشيخ سليمان بن حمد[1] بن عيد العارِضِيّ، نزيل الأحساء، كان حَيًّا عام (1293هـ).

رحل إلى الأحساء قريباً من منتصف القرن الثالث عشر، فطاب له المقام فيها، وقرأ على علماءها، وتفقه بمذهب الإمام مالك[2].

وقد تكبد في رحلته من الأحساء إلى بَرِّ فارس فيها العناء الشديد الذي لا أدل عليها من وصفه إيَّاها بقوله:

أسعى بها من ساحِ هجر قاصداً
منها إليك مُضَحّي ومهجرُ
طوراً على دَوِيَّةٍ ذيَّافةٍ
تطس الآكام مروح ومبكرُ
أيضاً وطوراً فوق عودٍ سابِحٍ
والموج من حافاته يَتَزَمْجَرُ

وكان وصوله إلى لِنْجَة في الثالث من ربيع الأول لعام (1293هـ)، وامتدح بها الأمير الجليل مذكور بن جبارة النّصوري الخالدي (ت1295هـ) بقصيدة طنّانة، فأمر له بعطاء جزيل، فاعترض على هذا العطاء وزير الشيخ مذكور؛ المسمّى علي أحمد زاهد، ولم يَصْرِفْ للعارضيِّ ما أُمِرَ به له.

فكتب إلى الشيخ مذكور قصيدة ثانيةً في (26) ربيع الأول (1293هـ) لَمَزَ فيها علي أحمد زاهد ولم يصرح باسمه.

ومن ذلك قوله:

يا أيها الملحق الحكام بالعذل
يا ليت شعري فذا رأيٌ من الخطلِ
تقول في الجود والإحسان ذا سرفٌ
لا تتبع الجود واتبع سنة البخلِ

وقوله:

تلومه في الندى والبذل من جهل
أما علمت بأن السهد في النحل
تلوم في البذل يا هذا يداً وَهَبَتْ
هيهات تردم سيل حط من جبل

وقوله:

يا أيها الرجلُ المولي نصيحته
كَدَّرْتَ حوض عظيم الورد والنهل
هل أنت ماكر بحر قد سجا فطما
أم فيك طائف جن منه مختبل
بَخَّلْتَ مثر كريم حقَّ آمله
والبخل من رمع الإيسار بالرجل
هجوته إذا تساوى مثله أحد
حشا علاه لقد أخطأت في المثل

وبالغ في الحط عليه حتى شبهه بابن العلقمي:

قد كنتَ في النصح كابن العلقمي وقد
أبدى نصيحة سلطان له فَبَلي
ويُشارُ قومٌ لهم فضلٌ ومَحْمَدَةٌ
مُبَرَّءون من الأوصاب والزللِ

وأردف ذمه بالدعاء عليه بغضب الشيخ مذكور فقال:

دارت عليك رحآء البغض من ملكٍ
تجعل ذراريك والأموال كالثفل

ثم نصح الشيخ مذكور فقال:

يا أيها الملك المصغى لهيبته
من كان في سهل الغبراء والجبل
أعيذُ علياك أن تصغي لبغيته
وأنت في ذرى المعالي في ذُرى زُحَلِ
حاشاك ترضى بِبَخْسٍ في الندى أبداً
فالبخس شينٌ كما قد بالجُمَلِ

إلا إنه لم يظفر بمراده، ونزل جزيرة قيس في طريقة عودته ضيفاً على الشيخ مشاري بن عبداللطيف آل مشاري (ت1299هـ)، فأشار عليه بإرسال قصيدة ثالثة مع الحاج عبدالجبار بن غلوم الكشكناري إلى الشيخ مذكور ففعل، وأرسل إليه قصيدته هذه في (25) ربيع الثاني (1293).

ومنها قوله:

فسرتُ وقصدي في المسير لبلدتي
فروديت غصباً عن مسيري وعن قصدي
بأسعد رأي من مشاري الذي يرى
بمرآة قلب لا يزيغ ولا يصدي
فأنعم به من صادقٍ لك ناصح
محب لكم يهدي إلى سبل الرشد
فقال: أَقِمْ وأرسل إليه فإنه
كريمٌ فسيح النّاد والمورد العد
فذا عابد الجبار عنك نيابة
وكيلٌ فوكله يكن واحد الوفد

وأعلن في قصيدته إقامته بجزيرة قيس حتى يَرِدَ أمر الشيخ مذكور فقال:

وإني مقيمٌ في ربى قيس عنده
برجواك في الإنعام مع خير ما يُسْدي

ولا نعلم هل بلغ شاعرنا غايته وحَصَّل مرامه أم لا؟

لكن يظهر أنه لم يترك التنقل والترحال، فقد ورد ذكره في رسالة شخصية أرسلها من البحرين الشيخ إبراهيم بن عبدالعزيز آل جامع الحنبلي (ت1301هـ)[3] إلى الشيخ عبدالله بن أبي بكر الملا الأحسائي (ت1309هـ)، وقد كتبها بلهجة عامية، وفيها: "وبعد، الواصل إليك بيد سليمان العارضي بِشْت حَقّ السيد أحمد.." إلخ[4]، مما يعني توجهه من البحرين إلى الأحساء في تاريخ تلك الرسالة، التي لم يدوّن الشيخ إبراهيم آل جامع تاريخها للأسف.

ومن آثاره نَسْخُهُ عدة كتبٍ بقلمه؛ منها: (تسهيل المنافع في الطب والحكمة) لإبراهيم بن عبدالرحمن بن أبي بكر الأزرق (ت890هـ)، استكتبه علي بن شهيل القديح، وعلى النسخة تملكه بالكتابة الشرعية، وقد أتم العارضيُّ نسخها بالأحساء ضحى الأربعاء الموافق للثالث عشر من شعبان عام (1270هـ=1852م)، والنسخة المذكورة من محفوظات مكتبة اليعقوب بدارة الملك عبدالعزيز بالرياض تحت رقم: (اليعقوب/35)، وتقع في (92 لوحة)، وخطها نسخي[5].

ومنها: (سما الآيات المقصورة على الأبيات المقصورة) لعبدالرحمن الطبري، نسخه عام (1265هـ)، ويقع في (193 لوحة)، والنسخة المذكورة محفوظة بمكتبة خاصة، وعنها صورة بمكتبة الأمير سلمان المركزية بجامعة الملك سعود تحت رقم: (ف 1379)، والأصل في مكتبة الشيخ عبدالعزيز بن أحمد العصفور بالأحساء، وقد تكرم بإطلاعي عليه[6].

ومنها: منتخبات من (ديوان الدواوين) لعبدالغني النابلسي، نسخه عام (1244هـ)، ويقع في (20 لوحة)، والنسخة المذكورة محفوظة بمكتبة الأمير سلمان المركزية بجامعة الملك سعود تحت رقم: (م 4385/1)[7].

ومنها: (كتاب في الأدوية) نسخه (1272هـ)، والنسخة المذكورة محفوظة بمكتبة العريبي بمملكة البحرين[8].

كما تملك (المنحة الإلهية شرح المقدمة العشماوية) للشيخ محمد بن محمد بن محب الدين المالكي في (21) جمادى الثاني عام (1249هـ)[9].

وذكر الباحث عبدالله الذرمان[10] أن له ابناً اسمه محمد، وهو عالمٌ بالفلك والطب، وقد أخذهما عن والده.

وللأسف فإني لم أقف على تأريخ وفاته، وأخباره شحيحة متفرقة، حاولت أن أجمع ما استطعت منها بين يدي القارئ.

نَصُّ القصائد كما وردت بخط العسَّافي:

 (1)

هذه القصيدة لسليمان بن حمد بن عيد العارضي، نزيل الأحساء، قالها في الشيخ مذكور بن جبارة، متولي سامان فارس، وفد بها عليه في لِنْجَة في (3) ربيع الأول سنة (1293هـ).

امْتَطْ مَطِيَّكَ رائحاً ومبكّراً
ظَهْرُ التوكُّلِ منجدٌ ومغوّرُ
واحْثُثْ مَطايا العَزْمِ دَأْباً ساهِراً
من رامَ إِنْجاحَ المطالِبِ يَسْهَرُ
واصْبِرْ فإنَّ الصبرَ مفتاحُ الرَّجا
ما حَصَّلَ المطلوبَ من لا يَصْبِرُ
واقْصِدْ إلى الملكِ الذي راحاتُهُ
في الجودِ بَحْراً ساجِياً لا يَجْزُرُ
قِرْمٌ له نادٍ وَسيعٌ مانِعٌ
فالخائِفُ الجاني به لا يَحْذرُ
قَصَدَتْ له الوُفَّادُ هذا وارِدٌ
يَرْجو النَّدى منهُ وهذا يَصْدُرُ
يُقْري ويُثْري بالعَطا يومَ الندى
فَضْلاً فَيُثْري من عَطاهُ الـمُعْسِرُ
تُلْقى عِظامُ الحِيلِ حَوْلَ فِنائِهِ
من عِظْمِ ما هو للطَّوارِقِ يَنْحَرُ
بَرْقاءُ ذايَلَها السرابُ بِقيعَةٍ
كالـمرد ويلمع صامِتٌ ومكسرُ
وإذا رَأَيْتَ الراسياتِ تَجِدْ بها
ما يُشْتَهى من كلِّ خيرٍ يُذْخَرُ
تَلْقى جِفانٍ كالجِرابِ كُلِّلَتْ
بابْنِ السبيلِ وكلِّ ساعٍ يَخْطُرُ
وترى له مَجْدٌ رفيعٌ حَوْلَهُ
من كلِّ مَيْمونِ النقيبةِ مَعْشَرُ
ملكٌ تَبَوَّأَ فارِساً وسَما بِها
فخراً على كلِّ المفاخِرِ مَفْخَرُ
إن جِئْتَ ساحَتَهُ فَنَوِّهْ باسْمِهِ
(مذكورُ) إذ هو بالمحامِدِ يُذْكَرُ
وقل السلامُ عليكَ يا رُكْنَ العُلا
يا أيها الملكُ المطاعُ الآمرُ
وفتى الكريمِ (جُبَارة) سامى الذُّرى
فالفضلُ من أبناءِهِ يَتَحَدَّرُ
طابَتْ أوائِلُهُ فَأَيْنَعَ فَرْعُهُ
جوداً وفَضْلاً بالمفاخِرِ يُثْمِرُ
غُذّي النَّدى من ثَدْيِ قابِلَةِ النِّدا
فلذا تراهُ في النَّدا يَسْتَبْشِرُ
ملكٌ همامٌ ذو فؤادٍ أَصْمَعٍ
صافي الحِجا في كل أَمْرٍ يَخْطُرُ
شادَ العُلا وسَما على هامِ السُّهى
فَضْلاً ويَرْجو فوقَ ذلك يَظْهَرُ
ضرغامُ معركةٍ خضمّ سماحة
يُخْشى ويُرْجى فضله لا ينكرُ
ليثٌ هصورٌ للأعادي عايسٌ
أما الوفودُ إذا رآهم مُسْفِرُ
ما فيه من عيبٍ سوى يوم الوَغى
يَحْمَرُّ في يُمْنى يَدَيْهِ الأسْمَرُ
كَتَبَتْ أَسِنَّتُهُ جُسوماً سُطِّرَتْ
والسيفُ يَمْحوا ما تخطُّ وتَسْطُرُ
يهدو على نهدٍ شيوحٍ أجردٍ
والقومُ صرعى والسبايا حُسَّرُ
كَرَماً يُضيفُ الوَحْشَ يوم طِراده
فالذئب يشلا والعواقي تنسرُ
فاسْأَل رُبى (الحرم) المباحِ حَريمُهُ[11]
يُنْبئكَ عن يوم عليهم مَحْسرُ
فديارهم أَيْدي سَبا ورجالهم
أَضْحَوا بأسفارِ المواضي جُزَّرُ
فمخائلُ النصر العزيز تجاههُ
وعليه ألوية المفاخر تُنْشَرُ
يا أيها الملك السعيد الـمُرْتَجى
يا من لأسباب الصلاح مُيَسَّرُ
إني قَصَدْتُ إليك يا عين الورى
إذ أنت مُقْلَتُها وغيرك محجرُ
فاقبل هُديتَ هديةً من وامقٍ
أبيات شعرٍ بالثنا لك تشهرُ
أسعى بها من ساحِ (هَجْرٍ) قاصداً
منها إليك مُضَحّي ومهجرُ
طوراً على دَوِيَّةٍ ذيَّافةٍ
تطس الآكام مروح ومبكرُ
أيضاً وطوراً فوق عودٍ سابِحٍ
والموج من حافاته يَتَزَمْجَرُ
والعودُ يَطْفو فوق أسنمة كما
قُلَلُ الرواسي من رياح تزفرُ
ينظر إلينا الموتُ في حافاتهِ
عَلَّ المهيمن أي حين يأمرُ
فأغاثنا رب السماوات العلى
بخفيِّ لطفٍ في الشدائد ينشرُ
حقَّ وصلتُ إلى محطٍّ للندى
نادٍ مريف الساح فيحٌ أخضرُ
لجنابك السامي العظيم المرتجى
للقاصدين وذمةٌ لا تخفرُ
فامنن فإن الله يوليك الجزا
فالمرء من قدر العطية يوجِزُ
واغرس بذي الدنيا تَنَلْ ثمر الجنا
يوم القيامة بالمثوبة تظفرُ
واسْلَمْ بِعِزٍّ في أمانٍ دائمٍ
في نِعْمَةٍ مشكورةٍ لا تُكْفَرُ
سِلْماً من الأسواء محفوظ البقا
وعلاك مسعوداً وأنت مُعَمَّرُ
ثم الصلاة على النبي المصطفى
طه المبشِّر والنذير المنذرُ
والآل والأصحاب مع أتباعه
وأجلُّ تسليم شذاهُ العنبرُ
ما حرَّكت ريح الصبا زهر الربا
فأضاع من مَرِّ النسيم العَنْبَرُ

فلما صَدَرَتْ هذه القصيدة على الملك المذكور أجزلَ العَطِيَّةَ في القرطاس، فاعترضَ وزيرهُ أَخَسُّ الناس، وهو رجلٌ يُقالُ له علي أحمد زاهد[12]، فقام لوليِّه مجاهد، فَأَنْزَلَنا من الأعلى إلى الحَضيض، ونَسِيَ الثناءَ الطويلَ والعريض، فلم نَظْفَرْ منه بِسِوى بَضيض.

(2)

فأنشأتُ هذه القصيدةَ في الملك المطيع، ولم أصرِّح باسْمِهِ ولو كنت أستطيع[13]، ولكن صبرٌ جميل، وحسبي الله ونعم الوكيل، وهي في (26) ربيع الأول (1293).

يا أيها الملحق[14] الحكام بالعذل
يا ليت شعري فذا رأيٌ من الخطلِ
تقول في الجود والإحسان ذا سرفٌ
لا تتبع الجود واتبع سنة البخلِ
والبخل في المرء مقرون بتوأمه
شقيقه الجبن ما عنه بمنفصل
والجود مقرون أيضاً بالشجاعة لا
ينفك عنها بحبل منه متصل
مصاحب الجود مولانا شجاعته
وباسه في الأعادي كالنهار جَلي
فاسأل رُبى (الحرم)[15] المقطوع دابرهم
من فِعْلِهِ ساحُهُمْ بعد الأنيسِ خَلي
تلومه في الندى والبذل من جهل
أما علمت بأن السهد في النحل
تلوم في البذل يا هذا يداً وَهَبَتْ
هيهات تردم سيل حط من جبل
إن الشجاعة معها الجود يتبعها
في اللحم والدمِّ ما عنها بمنتقلِ
جِبِلَّةٌ من إله العرش قد مزجت
بطينة قبل نفخ الروح في الأزل
سلطان مجدٍ على كل الأنام سَمَا
إلى سنام العلا والغير في السفل
يُدَبِّرُ الملك والأموال ينفقها
بنقش خاتمه من قبل أن يُسَلِ
(مذكور) بالجود مع بث الثنا وله
كَفٌّ وكوفٌ على العوّاد لم يزل
عطاه كالسيل بل كالليل ما وهبت
يمين جدواه في حِلٍّ ومرتحل
ما وِتْرَ[16] وافِدُهُ[17] من قبلنا أبداً
إلا يروح بكفٍّ من نداه ملي
يا أيها الرجلُ المولي نصيحته
كَدَّرْتَ حوض عظيم الورد والنهل
هل أنت ماكر بحر قد سجا فطما
أم فيك طائف جن منه مختبل
بَخَّلْتَ مثر كريم حقَّ آمِلِهِ
والبخل من رمع الإيسار بالرجل
فهجوته إذ تساوى مثله أحدٍ
حاشا علاه لقد أخطأت في المثل
إياك تفضي بنصح لا يليق به
فضيحةً فيكون السَّمُّ في العسل
وحاذر الليث لا يخطفك مخلبه
وأنت في سكرة من خمرة الجهل
أين المعالي وأين الفخر في ملك
يكون وهو بخيل قائد الدولِ
فالشمس ليل لمن عميت بصيرته
كما أريجُ الثنا كالورد للجملِ
تسمو إلى فلك نارت كواكبه
شهابها قبسٌ ترمي على عجلِ
قد طاب فرعاً كما قد طاب محتده
فكيف تقضي معاليه إلى النُزُلِ
والجود للمُلْكِ من أقوى دعائمه
وذا مليكٌ وسلطان كما الأُوَلِ
قد كنتَ في النصح كابن العلقمي[18] وقد
أبدى نصيحة سلطان له فَبَلي
ويُشارُ قومٌ لهم فضلٌ ومَحْمَدَةٌ
مُبَرَّءون من الأوصاب والزللِ
كمن بقافيةٍ أثنى[19] فأمهرها[20]
في ساعة بخراجِ الموصل الجزلِ
ومن ببسطته[21] قد مات عامله
غَمًّا لكثرة ما أولاه من نقلِ
وطلحة[22] وابن عباد[23] وتلوهما
معنٌ عطاؤهم كالوابل الهطلِ
والباذِلُ المالَ في عَلاَّتِهِ هَرَمٌ[24]
سَيْلٌ تَحَدَّرَ جوداً من ذُرَى القللِ
وصاحبُ الجفنة العظمى[25] التي شهرت
ينال أدنى ذراها من ذرى الأملِ
والمعطي[26] المائة الجرجور وافِدَهُ
إبلاً وقد ضاقَ منها واسعُ السُبُلِ
ولم يَقُلْ واحدٌ منهم أخو سَرَفٍ
سواكَ[27] يا مانعاً للخيرِ بالعذلِ
دارت عليك رحآء البغض من ملكٍ
تجعل ذراريك والأموال كالثفل
يا أيها الملك المصغى لهيبته
من كان في سهل الغبراء والجبل
أعيذُ علياك أن تصغي لبغيته
وأنت في فوق المعالي في ذُرى زُحَلِ
حاشاك ترضى بِبَخْسٍ في الندى أبداً
فالبخس شينٌ كما قد جاء بالجُمَلِ
ما كنتَ والحمد لله الكريم فتًى
مُبَعَّضاً بتجارات من السفل
حتى يقال لحابيها أخو سرف
حين التناقش في هذا عَلَيَّ ولي
بل أنت سلطان ركن الأرض عامرها
بالبسط والقبض والفرسان والأسلِ
تُمِدُّ من مَدِّ بحرٍ قد سجا فطما
لا يختشي القِلَّ لو أدليتَ بالقلل
فجد وأوجِزْ وأثخن في العدا سَرَفاً
لا زلت تروي الصَّوادي والقنا الذُبُلِ
من هاشَ عاشَ مدى الأيام في شرفٍ
ومن يجودُ يسودُ الناس عن كَمَلِ
يا أيها الحاكم المبثوث نائله
على القواصد من حافٍ ومنتعلِ
هذا ثنائي وإن كنت الغبين به
وأنت أعظم من مدحي ومن غزلي
صبرٌ جميلٌ وبالله أستعين على
أهل الزمان بلا حَوْلي ولا حِوَلي

(3)

هذه القصيدة في الشيخ مذكور خان، والقائل لها سليمان العارضي، والمشير بها الشيخ مشاري[28]، والوكيل لما فيها ورسولها الحاج عبدالجبار بن غلوم الكشكناري، والموفق للأمور الخالق الباري، في (25) ربيع الثاني (1293).

سلاماً جزيلاً والجزيل مضاعفاً
من الله لكني أنا الوامق المُهْدي
أخصُّ به من خَصَّهُ الله بالعُلى
وبالحظِّ والإقبالِ في طالعِ السعدِ
هو الملك المذكور بالجود والثنا
وبالفضل والإحسان في الهزلِ والجدِّ
أخو المجد (مذكورٌ) سليل (جبارةٍ)
كريم المحيا فاضل الأبّ والجد
ومن بعد ذا الفاضل الملك الذي
براحاته بحر الندا دائم الـمَدِّ
لقد جئتكم بالأمس من شُقَّةِ النيا
إلى (لنجة) الفيحاء بالجد والجَهْدِ
يقود زمامي فيض جودك والرجا
مؤمّلٌ فيك الجود من فُسْحَةِ البُعْدِ
بأسماط من دُرّ الكلام تضمنت
جزيل الثنا والفخر والمجد والحمد
فأديت ما أهديت في مجمع الملا
بحس قبولٍ قد تلقيت ما عندي
فرديت من بعد الوفادة آيباً
بِخُفَّي حُنَيْنٍ بالأسى مكمد مكدي
فسرتُ وقصدي في المسير لبلدتي
فروديت غصباً عن مسيري وعن قصدي
بأسعد رأيٍ من (مشاري) الذي يرى
بمرآة قلب لا يزيغ ولا يصدي
فأنعم به من صادقٍ لك ناصح
محب لكم يهدي إلى سبل الرشد
فقال: أَقِمْ وأرسل إليه فإنه
كريمٌ فسيح النّاد والمورد العد
فذا (عابد الجبار) عنك نيابة
وكيلٌ فوكله يكن واحد الوفد
فتى ماجدٌ يشفي بلا شك إنه
إلى كل خيرٍ فاعل رشد مستهدي
فإن جازك الشيخ المرجى بجاهه
وإلا فإن الله يرزق للعبد
وإني مقيمٌ في ربى (قيس)[29] عنده
برجواك في الإنعام مع خير ما يُسْدي
ودونك نظماً في الذي قطع الرجا
ولكنه في المدح واسطة العقد
فداؤك نفسي والقرابات والذي
أُثَمِّرُ من خالي مع الأهل والولد
فلا تُحْرَمَنَّ المجد والحمد والثنا
فإن الندا والجود في كل ذي كبد
ودُمْ سالماً واسلم بِعِزٍّ ورفعةٍ
بملكٍ عظيمٍ واسع العرض والمجد
ولا زلت في حَظٍّ سعيدٍ ونعمةٍ
على الرتبة العُلْيا منصورة الجُنْدِ




[1] - الذي وجدناه بخط العسّافي أنه (سليمان بن أحمد) كما في نسخته الخطية من القصائد الثلاث التي نحن بصدد نشرها، والتصويب من خط العارضي.
[2] آل مسلَّم، علماء وقضاة حوطة بني تميم والحريق، ج.1: 221.
[3] - هو الشيخ إبراهيم بن عبدالعزيز بن عثمان بن عبدالله بن جمعة بن جامع، الخزرجي، الأنصاري، البحريني، الحنبلي، ولد (قبل 1250هـ)، قرأ على والده الشيخ عبدالعزيز (كان حيًّا 1278هـ)، والعلامة أبي بكر الملا الأحسائي (ت1270هـ)، وتوفي سنة (1301هـ). انظر لترجمته: بشار الحادي، بهجة المسامع بذكر أخبار آل جامع: 121-136، ص271-277)، بشار الحادي، علماء وأدباء البحرين في القرن الرابع عشر: 71-83.
[4] - انظر نص الرسالة كاملاً وصورة عنها في بشار الحادي، بهجة المسامع: 128-130، 273.
[5] سعد آل عبداللطيف وزملاءه، نوادر المخطوطات السعودية: 596. حسان الرديعان، فهرس المخطوطات الأصلية في مدينة حائل: 311-312.
[6] خالد المانع، ناسخو المخطوطات النجديون: 65. آل مسلَّم، علماء وقضاة حوطة بني تميم والحريق، ج.1: 222، ج.2: 325-326.
 [7] خالد المانع، ناسخو المخطوطات النجديون: 65. آل مسلَّم، علماء وقضاة حوطة بني تميم والحريق، ج.1: 222.
[8] -  فهرس مخطوطات البحرينآل مسلَّم، علماء وقضاة حوطة بني تميم والحريق، ج.1: 222.
[9] آل مسلَّم، علماء وقضاة حوطة بني تميم والحريق، ج.1: 222، ج.2: 327.
[10] - عبدالله عيسى الذرمان، مظاهر إزدهار الحركة العلمية في الأحساء: 114.
[11] - جاء في هامش المخطوط: (الحرم: عسيلوه، وهذه الوقعة بها، جرت في تاسع الحج 1282، اثنتين وثمانين ومائتين وألف، رحمة الله على الجميع).
[12] - هو علي زاهد الكبير، توفي سنة (1295هـ)، من مآثره أنه اشترى إنساناً يستحق القتل من خان بستك فأعتقه ونجّاه، وآل زاهد من بني العباس رضي الله عنه، وبينهم وبين آل زينل قرابة ومصاهرة، وأول تواجد لآل زاهد كان في كنكون، ثم بعد مدة انتقلوا إلى لنجة، وملكوا السفن الشراعية، وصارت لهم التجارة العريضة، ولهم في لنجة بِرَكٌ وصدقات ومآثر، وانتقل بعضهم إلى جُدَّة وزاولوا التجارة فيها. انظر: حسين الوحيدي، تاريخ لنجة: 74. كاملة القاسمي، تاريخ لنجة، ج.2: 841.
[13] - أي لم بصرح باسم علي أحمد زاهد.
[14] - كأنها (الملحف).
[15] - جاء في هامش المخطوط: (أي أهل عسيلوه).
[16] - جاء في الهامش توضيحاً: (قطع).
[17] - جاء في الهامش: (لأنّا كنّا ثلاثة).
[18] - جاء في الهامش: (وزير المستعصم، آخر حكام بني العباس، من أجل نصحه له بلاه الله في التتار في قوله: لا تنفق الأموال، وقصته مشهورة لا يسعها المكان. تم).
[19] - في الهامش: (أبو تمام).
[20] - في الهامش: (المعتصم).
[21] - جاء في الهامش: (أحد ملوك آل إبراهيم على أوال). قلت: آل إبراهيم هم العُيونِيّون، وأوال هي البحرين اليوم.
[22] - جاء في الهامش: (طلحة الطلحات).
[23] - جاء في الهامش: (الصاحب بن عباد).
[24] - جاء في الهامش: (هرم بن سنان بن حارثة المزني. تم).
[25] - جاء في الهامش: (عبدالله بن جدعان التيمي، وجفنته مشهورة، قيل: كان يملؤها فالوذج. تم).
[26] - جاء في الهامش: (يعني النعمان في شعر النابغة، والجرجورُ الواحِدُ المِائَةُ من الإبل).
[27] - جاء في الهامش: (يعني علي زاهد. تم).
[28] - ربما كان المقصود هو مشاري بن عبداللطيف المتوفّى بلنجة يوم الجمعة الموافق للتاسع والعشرين من صفر عام (1299هـ). ((تاريخ لنجة))، لكاملة: (ج1/ص55).
وآل مشاري من عرب العتوب هاجروا من البحرين إلى لنجة، وهناك بركة تقع غرب لنجة تحمل اسم بركة المشاري. حسين الوحيدي، تاريخ لنجة: 72. 
[29] - قيس جزيرة في مياه الخليج العربي، وقد كانت آنذاك تابعة لحكم آل علي، وتبعد عن مقر حكمهم جارك (27) كيلاً، كان سكانها من السنة الشافعية العرب، يخالطهم بعض البحارنة الشيعة الإمامية، وصار في الآونة الأخيرة يسكنها جموع غفيرة من الرافضة العجم. انظر: عبدالرزاق محمد صديق، صهوة الفارس: 449. حسين الوحيدي، تاريخ لنجة: 136.


نماذج من الصفحات المخطوطة :
 
 






 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق