يحيى الكندري

يحيى الكندري

الجمعة، 13 أغسطس 2021

فيلم تاريخ الخيل العربية في الكويت بين تجربة الإعداد ومحاولة البث ..

 

في منتصف عام 2015م فكّرت مع الأستاذ البحّاثة طلال عيادة الموعد الشمري بإعداد فيلم وثائقي، واجتمعنا في جلسة طويلة لبحث المواضيع التي تصلح لذلك، اقترحتُ عليه حينها مواضيعَ تتعلق بالتاريخ الثقافي، وتاريخ التعليم، ليُفاجِئني أخي طلال باقتراحهِ موضوعَ الخيل، في تلك اللحظات لم يكن موضوع الخيل يشكل لي اهتماماً كبيراً، وكان يمرّ عليّ مروراً عابراً في بعض كتب الأدب، وكنت متردداً في قبول هذا المقترح، إلا أنَّ أخي طلال قد تعهَّد بي، وأكرمني بإعارة مراجع كثيرة من ذخائر خزانته، تتنوع بين كتب الخيل والرحلات والمأثورات الشعبية، هنا بدأت التخطي والتهجي في هذا الباب من العلم، وقد أعانني جزاه الله خيراً بِفَكِّ الـمُغْلَقات، وإيضاح التعريفات، وشرح النصوص والأبيات، فكان لي خير مُعين.

ومضينا سوياً في هذه الرحلة الطويلة التي بدأت عام 2015، ولم تنته بخير إلا في عام 2020، كانت أولى العقبات هي جمع النصوص وحياكتها في ثوبٍ قَشيب، وقد تنوعت المصادر التي جمعناها، بين وثائق محلية وأجنبية وعربية، إلى جانب بعض المخطوطات، والرحلات، والروايات الشفهية، أعاننا في ذلك جمعٌ من الفضلاء الكرام بالدلالة والإهداء والإسعاف، وسعى كل منا في نقب ما بيده من مصادر حول البحث.

ولأول مرة أُشارك في كتابة نصّ فيلم وثائقي، أما الأستاذ طلال فكان ذا دربة وخبرة في ذلك، فقد قضى أعواماً طويلة في إعداد وتقديم البرامج الثقافية الإذاعية، ومنه تعلمتُ الكثير في هذه التجربة، وهو صاحب الفضل في فخامة النص، وكان النص الأولي يضم موضوعين رئيسين، هما: مربط الأسرة الحاكمة، وتجارة الخيل في الكويت، ثم عرضنا النص الذي أعددناهُ على سعادة أد. عبدالله يوسف الغنيم، رئيس مركز البحوث والدراسات الكويتية، الذي تفضل مشكوراً ببعض الملاحظات المهمة حول نص الفيلم، كما نصحنا بأن نقسم النص لضخامته إلى جزئين، الأول لمربط الأسرة الحاكمة، والثاني لتجارة الخيل، وقد قمنا بذلك فعلاً.

وفعلاً بدأنا في تنفيذ القسم الأول من النص، وعند محاولة التنفيذ زُرنا الأستاذ حسن الجسمي، صاحب شركة سنام للإنتاج الفني، لقد كان الأستاذ حسن رجلاً سمحاً كريماً معنا للغاية، فأباح أرشيفه الضخم الفريد أمامنا، وقد أرشدني متفضلاً إلى برنامج (صفحات من تاريخ الكويت) الذي أَعَدَّ جُلَّ حلقاته المؤرخ سيف مرزوق الشملان، وشاركه في إعداد بعض الحلقات الأخرى: رضا الفيلي، وسعود الجمران، وأحمد البشر الرومي، ومرشد البذال، رحمهم الله، لقد اضطررنا إلى مشاهدة حلقات البرنامج الطويلة لاستخراج ما فيها من مقاطع وأحاديث عن الخيل، نطق بها أولئك الرواة الراحلون من شيوخ ونواخذة وبحارة وعلماء ونسابين وتجار ورواة، وفي أحاديثهم ما لم ينشر، وأجزم لو أنَّ هذا البرنامج طبع على شكل كتاب لغيَّر وجه تاريخ الكويت، وفتح آفاقاً جديدة للبحث أمام المنقّبين، ولما انتهيتُ منهُ، أطلعنا الأستاذ حسن الجسمي على برامج حوارية ووثائقية أخرى، مثل: برنامج شخصيات كويتية للأستاذ رضا الفيلي، وبرنامج حديث الذكريات للأستاذ عبدالرحمن السعيدان، وبرنامج حصاد الأيام لفيصل الدويسان، وغيرها، وقد أفدنا منها كثيراً، ولا أبالغ إن قلتُ أننا شاهدنا قريباً من مائة وعشرين ساعة لننتهي من ذلك، يضاف إلى ذلك كَمٌّ كبير من الأفلام القديمة التي تصوّر الحياة في الكويت خلال القرن المنصرم وفيها لقطات نادرة للخيل، وتتنوع مصادر هذه التسجيلات المرئية بين أرشيف شركة النفط، وأرشيف المصور السينمائي الرائد محمد قبازرد، وتسجيلات الرحالة الأسترالي آلن فاليزر مؤلف (أبناء السندباد).


الأستاذ حسن الجسمي

كما اجتهدنا في محاولة تسجيل لقاءات مع بعض الرواة والمؤرخين الأحياء، وكان لأخي الأستاذ طلال دور كبير في هذا الجانب، والذين صورنا معهم في دولة الكويت: الأستاذ محمد جاسم المرزوق، د. علي الناصر الصباح، د. فيصل عادل الوزان، د. سلطان مطلق الدويش، الأستاذ عطية كريم الظفيري، الأستاذ عبدالله نايف البريهي، الشيخ فهد بن حَرْمَل الشامري العجمي رحمه الله، المهندس سلمان محمد البَحُّوه، الأستاذ خالد زبن العربيد، بالإضافة إلى الأستاذ طلال الموعد، وراقم السطور.

وقد أوقفنا البحث على مادةٍ تتعلق ببعض جياد الكويت القديمة التي أهديت إلى مملكة البحرين، وكان لا بدَّ لنا من الانتقال هناك للبحث وإجراء اللقاءات، أوكل إليَّ الأستاذ طلال هذه المهمة، وأمعن في شد عضدي ونصحي ومتابعتي طوال أسبوعين قضيتهما في البحث لإنجاز هذه المهمة، قصدتُ البحرين لذلك، واستعنتُ قبل الرحلة بأخي الفاضل علاء حمد الرُّومي، الذي رتب لي مشكوراً مع السجل البحريني للخيل العربية، استقبلني هناك الأستاذ جهانقير، وكان كريماً معي بالمعلومات والصور وسجلات الأنساب، ودلَّني مشكوراً على عدد من المهتمين الذين قابلتهم لاحقاً فأفدت منهم كثيراً، وعلى رأسهم: الشيخ أحمد بن صقر بن سلمان بن خالد بن علي آل خليفة، مؤلف كتاب (القول في الخيل وسمير الليل)، فأفادني إفادات جليلة، وعرَّفني على السيدة جيني ليس، فأهدتني نسخة من بعض مقالاتها والصور القديمة، ومن الفضلاء الذين أفادوني: السيد حمد بن إبراهيم الرميحي، الذي أفادني مشكوراً بأخبار يرويها عن فطيس الركابين الهاجري وغيره من قدامى المسؤلين عن مربط آل خليفة، والأستاذ عبدالله بن حسن الرويعي، قريب الفارس حسن بن صالح الرويعي مؤلف كتاب (تاريخ الخيل العربية الأصيلة في البحرين).

أما الأستاذ البحَّاثة أبو عمرو مبارك بن عمرو العَمَّاري، صاحب الخزانة الفريدة، والتنقيب والسبر، الذي أكرمني بشواهد كثيرة جداً من الشعر البحريني الفصيح والشعبي حول الجياد، ومعها درر من الوثائق والمخطوطات والبحوث التي لم يسبق لها النشر، فأفادتني كثيراً في إعداد الفيلم، وبعد ذلك، كما أكرمنا بالتسجيل معنا في الفيلم. وسعى لي أستاذنا العماري مشكوراً بترتيب لقاء مع الأستاذ إبراهيم السبيعي مؤلف كتاب (خيل القوع)، الذي أكرمنا بنسخة من كتابه، وتفضل بتسجيل لقاءٍ أثرى مادة الفيلم.


الأستاذ البحَّاثة مبارك عمرو العَمَّاري

هنا احتشدت المادة، وظهرت كخميسٍ عَرَمْرَم، فجعلنا ننتقي أهم الأخبار، وأوفقها للسياق الذي وضعناه، وجاء دور الإنتاج، فتنقلنا بعد ذلك بين أربعة مخرجين وفنيين كلهم يدعي وصلاً بليلى، ولقلة خبرتنا في هذا الباب، ضحكنا وبكينا، حتى وقفنا على ضالتنا، لدى الأستاذ محمد رشدي الخطيب، والمخرج فهد عبدالرحمن العيسى، وبدأت عملية تركيب الصوت والصور وقص المقاطع من البرامج الوثائقية وتركيبها، مع مشاكل التصميم، وجودة الصور، وقضينا في هذه المعمعة وقتاً طويلاً، لشحّ الصور والمقاطع المرئية، ولم يكن من منهجنا تنفيذ مشاهد تمثيلية تعالج هذا النقص، ويعود ذلك لسببين أولهما ضعف الخبرة في التخطيط لمثل هذه المشاريع، فقد كانت تجربتنا المرئية الأولى، وثانيهما قصور الميزانية.

ويتناول الفيلم في مطلعه صلة عرب البحرين وسكان كاظمة الأولين بالخيل العراب، وفيه نبذة عما وجد في أرض الكويت من آثار قديمة تتعلق بالجياد، ثم يتناول أخباراً نادرة حول الخيل في زمن نشأة الكويت ووصول العتوب إليها، ثم ينتقل إلى الحديث عن الخيل مرتبةً على زمن الحكام، مع الإشارة لبعض الحوادث المحلية، والتنويه بالأشعار الشعبية، وتسمية بعض الأرسان والجياد، وينتهي الفيلم بدور دولة الكويت الحديث في رعاية الخيل العراب عبر مربط دولة الكويت الرسمي: مركز الجواد العربي (بيت العرب).

ولما نَجَزَ العملُ وتَمَّ، جاء دور تقديمه لوزارة الإعلام، وسأصفح جانباً عن الحديث حول تفاصيل فشلنا في ذلك، إلا أنه يكفيني أَنْ أقول: أَنَّ الأمر كلما مضى تَعَثَّر، وكلما صحَّ اعتلَّ، لقد كررنا المحاولة عدة مرات، وبعدة واجهات، وعلى ضخامة الجهد المبذول، فإننا لم نجد أذنناً سامعة، والحرُّ تكفيه الإشارة، وبسبب تعثّر معاملة الفيلم فقد بقي مخزوناً غير مشاع ولا مذاع من نهاية عام 2017 وحتى 17 أكتوبر 2020، إذ تفضَّلَ الأستاذ محمد جاسم المرزوق، مالك مربط أجمل للخيل العربية، بشراء حقوق نشر الفيلم، وقام بنشره على تطبيق (YouTube)، كما أهدى حقوقه إلى مركز الجواد العربي (بيت العرب) الذي قام بتقديمه هديةً إلى تلفزيون دولة الكويت، ليُذاع الفيلم على شاشة التلفزيون عدة مرات، كما تم إهداءه لبعض الشخصيات.

لقد كانت تجربة قاسية منهكة، لكني استفدت منها كثيراً، وأوَّل مغانم هذا العمل هو تعرفي على بحوث الخيل العربية، التي غدوتُ شَغِفاً بها اليوم، كما أنها فتحت بصري على جوانب مهمة من إرثنا الإنساني والمعرفي، إلى جانب صلاتٍ حميدة بجمعٍ من الفضلاء الذين تشرفت بلقاءهم والإفادة منهم عبر هذه الرحلة الطويلة، التي كان الأستاذ طلال الموعد نعم النصير والمعين فيها، كما كان للأستاذ أمين الدوسري دورٌ محوريٌّ في ترتيب نشر الفيلم، جزاه الله خيراً، وإني لا أخفي ما أجدهُ اليوم في العمل من هِنات ولو قدّر لنا أن نقوم بذات الموضوع مرة أخرى لجوّدناه بشكل أفضل، كما أني لا أزال ألهج بشكر الأخ محمد المرزوق، الذي أبى أن يكون هذا العمل رماداً بعد اتّقاد، فله الشكر والتقدير على ما بذلهُ وما زال يبذلهُ في خدمة الخيل العربية وإرثها العريق، وهو حقيقٌ بالثناء.

الأستاذ محمد جاسم المرزوق

لقد مضت هذه الرحلة بحلوها ومرّها، ومصاعبها ومكاسبها، وفي جعبتي حديثٌ كثير حولها، إلا أني أحبُّ أن ألفت هنا نظر إخواني الباحثين إلى مصاعب تتكرر لكل من نوى رحلةً كرحلتي من الذين كُلُّ عدّتهم لا تزيد عن القلم والقرطاس، أَوَّلَهُما: تفرق المواد المرئية أيدي سبأ، بين أرشيفيّ التلفزيون والإذاعة الـمُبَعْثَرَيْن، اللذين لا تعرف لهما رجلاً ولا رأساً، فليس للأرشيف موقع أو فهرس، وليس له نافذةٌ تبيع المواد الوثائقية على مُعِدّي ومُنْتِجِي الوثائقيات، فيضطر أغلبهم إلى أن يلتجأ للهواة وشركات الإنتاج القديمة كشركة سنام، الذين يملكون أرشيفاً مرتباً في الغالب، ولو قامت وزارة الإعلام بترتيب هذا الأرشيف وتكشيفه، وإتاحة بياناته على قاعدة بيانات رسمية عبر موقعها، لكان فتحاً كبيراً، ولأفادت منه بشكل دقيق في أعمالها، إضافة إلى ما ستجنيه من بيع المواد على المنتجين.

وثانيها: ينبغي لمن يريد خوض مثل هذه التجارب من الباحثين، أن لا يخوضها وحيداً كما فعلنا، فإن التسويق والتصوير والمونتاج والإخراج مهامٌّ شاقة، ولن تنجح إلا بفريق عمل، وسيعاني الباحث في التاريخ والأدب كثيراً لو حاول معاناة هذه المهام، لذا فأسهل الطرق هو أن يشارك الباحث بترتيب المقابلات، وإعداد المواد، وجمع الوثائق، وصياغة السيناريو، ويترك بقية المهام لغيره، سواء كانوا منتجين يعمل لصالحهم، أو شركاء يشاطرهم الاستفادة المادية من العمل.

هذه المصاعب التي تلمس الباحثين خصوصاً، أما المنتجون والمخرجون، فأمامهم صعوبات أخرى، تتلخص في إحباط يعتري أغلب من يريد أن يغامر منهم بإنتاج عمل وثائقي فخيم إذ يخشى جُلُّهُم من مزاجية رقيبٍ يحجب عملهُ عن النشر لحساسيةٍ (لا موضوعية) يشعر بها الرقيب وحدهُ فقط (!) بل ولا يبديها أو يناقشها، كما يخاف سوادهم من خيبة الأمل التي يحملها جمل يتهادى بين أروقة الوزارة يحل في خاتمة المطاف في ميدان الرفض أو التقييم المتدني الذي لا يغطي تكاليف عمله، وكم في هؤلاء من خائب، وأنا منهم، وكان لهذه الخيبة دورٌ كبير في إهمالنا للجزء الثاني الذي كتبناه، وهو خاصٌّ بتجارة الخيل.

وأخيراً أقول أنني كتبت هذه السطور محاولاً سرد تجربتي علّها تفيد من يروم تنفيذ عمل وثائقي في الكويت، إلى جانب المقترحات التي تحتمل الخطأ والصواب، وعلى وجه العموم فإنه يسرّني أن تجربتي قد انتهت بالنجاح ولو بعد حين، فإن النصر مع الصبر، ويكفيني أن العمل قد بُثَّ، وأن بعض الفضلاء أثلجوا صدري بثناءهم ونقدهم،  ولا أخفي أن مستوى إنتاج الفيلم كان متواضعاً إلى حدٍّ ما، إلا أني أرجو أن يشفع له غَنَاءُ مادته، وكونه أوَّل عملٍ من نمطه...

مُنًى إن تَكُنْ تَكُنْ أَحْسَنَ الـمُنَى * وإِلَّا فقد عِشْنَا بها زَمَناً رَغْدا

  

لمشاهدة الفيلم على قناة مربط أجمل للخيل العربية

https://youtu.be/XSoCkpaBgqE



هناك تعليقان (2):

  1. جهد كبير من باحث دؤوب والفيلم خطوة صعبة ومتقنة وعميقة لنشر تاريخ وتراث الخيل العربي، احسنت واجدت

    ردحذف
  2. مقالة فخمة من يراع مؤرخ شاب فخم المعاني والمباني ، نعم بدلاً من دعم شبابنا الباحثين المتميزين من أمثال المؤرخ النسابة طلال الموعد الشمري والمؤرخ الفذ أبا عبدالله يحيى الكندري ، تضيع جهودهم بين أروقة الوزارة وبيروقراطية العمل والدورة المستندية والكثير غير ذلك مما يفت في عضد الباحثين ويجبرهم على النأي عن الدراسات الجادة والتحول لما يطلبه المشاهدون فقط بغض النظر عن جودة الموضوع🤭.
    د.سعد سعود العتيبي

    ردحذف