تمهيد:
بذل علماء
اليمن وأدباؤه جهوداً كبيرة في التصنيف حول الخيل والبيطرة والفروسية منذ القرن
الرابع الهجري، وبلغ ما أفردهُ علماء اليمن في هذا الباب قرابة ثمانية عشر كتاباً،
أوَّلها حسب ما اطلعت عليه: كتاب (اليعسوب) للأديب النسَّابة الحسن بن أحمد
الـهَمْداني الشهير بابن الحائك (ت334هـ=945م)، وآخرها كتاب (نجوم الليل الطالعة
على غرر الخيل) لشرف الدين حسن بن أحمد الحيمي (ت1071هـ=1661م)، هذا فيما يخص
الكتب التي أفرد مؤلفوها الخيلَ والفروسية بالتصنيف، وعدّتها خمسة عشر كتاباً،
فيها المخطوط والمفقود والمطبوع.
ومن الملاحظ في كتب الفروسيَّة اليمانيَّة، أنَّ عامَّتها
من تصنيفِ عِلْيَة الطبقة السياسية الحاكمة، وفيهم الأمراء والملوك والأئمة، وتحتل
ثلاث أُسرٍ حاكمة الصدارة في هذا الباب، وعلى رأسهم: الرسوليون، الذين كتبوا ست
مؤلفات في هذا الباب، ثم الأئمة والأمراء الحمزيون، ولهم أربعة تصانيف، ثم الأمراء
الحاتميون ولهم كتابان، ولا تخلو الكتب الباقية من صلة بهذه الطبقة، وإن لم يتولَّ
تصنيفها أمير أو ملك أو إمام، لكنها من تصنيف علماء وأدباء كتبوها برسمِ ملوك
وأمراء متنوعين، بين السلاطين الطاهريين والكثيريين والأمراء الكامليين، وغيرهم.
والكتاب الوحيد الذي ليست لدينا دلائل على صلة هذه الطبقة بتصنيفه هو كتاب
(اليعسوب) لابن الحائك الهمداني، وهو كتابٌ مفقود، وقفنا على وصفه عبر حديث الوزير
القفطي، ولا نستطيع الجزم بشيء تجاهه حتى يظهر ونطالعه.
فرسان يمنيون يتدربون على الخيل
لوحة منشورة في رحلة
المستشرق الدانمركي كارستن نيبور (Carsten Niebuhr)
(1733-1815م).
ومما يجدر ذكره هنا، هو أنَّ مؤلفي كتب الخيل والفروسية
اليمانيين قد ارتبطوا بصِلاتِ وُدٍّ ومصاهرة، رغم ما اعتراهم من اختلاف المذهب والتصارع
على سيادة اليمن، فنجد مثلاً أنَّ الإمام عبدالله بن حمزة قد صاهر الأمراء
الحاتميين الياميين، ونرى أنَّ الأمير بدر الدين محمد بن حاتم دخل في خدمة الملوك
الرسوليين وأرَّخ لدولتهم، كما نشاهد أنَّ الحاتميين وابن الحائك ينتمون جميعاً
إلى قبيلة همدان، ونلحظُ أيضاً أن اثنين من المصنفين الحمزيين كانت آثارهما ذات
الصلة بالخيل تظهر في قالب النظم، وليس هذا بمستغرب، فالأسرة الحمزية من أسر العلم
التي شكَّلت آثاراها الفقهية والعلمية جزءاً من المدرسة الزيدية، فلا غرو أن
يتوجهوا لنظم العلوم، إذ هو مسلك مدرسة الفقهاء والمدرسين، ومع أن الأمراء
الحاتميين أهل شعر ونظم إلا أنهم لم يسلكوا مسلك الحمزيين، وربما يرجع ذلك إلى
أنهم لا ينتمون إلى مدرسة فقهية تعليمية مثل الحمزيين الذين كانوا يتصدرون المشهد
الزيدي يومئذ، كما أنَّ كلا المنظومتين اللتين تركهما لنا الإمامان المنصور
والمتوكل على الله قد حظيتا ببر أبنائهما، فقد شرح الأمير شمس الدين أحمد منظومة
أبيه الإمام المنصور، وشرح الأمير صلاح الدين عبدالله منظومة أبيه الإمام المتوكل
على الله، وكلا النظمين طُبعا وذاعا عبر شرحيّ الولدين، وهذا من نوادر برّ الأبناء
بالآباء.
رسم الفنان الإيطالي جوليو فيرايو
Giulio Ferrario(1767-1847م)
وكل ما وقفت عليه من التصانيف اليمانية في الخيل وعدّتها
ثمانية عشر كتاباً، هي تصانيف سطّرها يراع مؤلفين يمانيين، خلا كتاباً واحداً، وهو
كتاب (بلوغ النيل في معرفة أحوال الخيل)، وهذا الكتاب مُعَرَّبٌ عن الفارسيَّة، ومُعَرِّبهُ:
محمد بن عبدالحميد بن عبدالقادر العمري الدفتري البغدادي، بأمر السلطان عمر بن بدر
الكثيري (ت1021هـ=1612م)، سلطان حضرموت، وسنتعرّض له
في هذا المقال بشيء من التفصيل[1].
جدول مختصر بتصانيف الخيل
والفروسية والبيطرة اليمنية
ت |
العنوان |
المؤلف |
العصر |
الحالة |
1 |
اليعسوب |
الحسن بن أحمد الـهَمْداني |
ق4هـ=10م |
مفقود |
2 |
المعارف الجامع لصفات الخيل |
أحمد بن عمران بن الفضل بن علي اليامي الـهَمْداني |
ق6هـ=12م |
مخطوط |
3 |
الأرجوزة المنصورية في الخيل |
عبدالله بن حمزة بن سليمان بن حمزة |
ق7هـ=13م |
مطبوع |
4 |
شرح الأرجوزة المنصورية في الخيل |
أحمد بن عبدالله بن حمزة بن سليمان بن حمزة |
ق7هـ=13م |
مطبوع |
5 |
درج السياسة في علم الفراسة وما يدل على الخيل من
ملاحة وقباحة |
الملك المظفر يوسف بن عمر الرسولي |
ق7هـ=13م |
مخطوط |
6 |
المغني في البيطرة |
الملك الأشرف عمر بن يوسف الرسولي |
ق7هـ=13م |
مطبوع |
7 |
الصريح |
بدر الدين محمد بن حاتم بن علي بن حاتم بن أحمد بن
عمران اليامي الهمداني |
ق8هـ=14م |
مفقود |
8 |
تعليقة في الخيل |
الملك المؤيد داود بن يوسف بن عمر الرسولي |
ق8هـ=14م |
مخطوط |
9 |
مختصر الجمهرة في البيزرة |
الملك المؤيد داود بن يوسف بن عمر الرسولي |
ق8هـ=14م |
مفقود |
10 |
الأقوال الكافية والفصول الشافية |
الملك المجاهد علي بن داود الرسولي |
ق8هـ=14م |
مطبوع |
11 |
تعاليق |
الملك المجاهد علي بن داود الرسولي |
ق8هـ=14م |
مخطوط |
12 |
بغية المرام في معرفة الخيل الكرام |
عالم يمني مجهول |
ق9هـ=15م |
مخطوط |
13 |
عقد عقيان الحكم في آداب الحروب ومحاسن الشيم |
المتوكل على الله المطهر بن محمد بن سليمان بن حمزة |
ق9هـ=15م |
مطبوع |
14 |
الياقوت المعظم المفوَّف بعقد عقيان الحكم في آداب
الحروب ومحاسن الشيم |
صلاح الدين عبدالله بن المطهر بن محمد بن سليمان
الحمزي |
ق9هـ=15م |
مطبوع |
15 |
انتهاز
الفُرَص في الصيد والقَنَص |
حمزة
بن عبدالله الناشري |
ق10هـ=16م |
مطبوع |
16 |
بلوغ النيل في معرفة أحوال الخيل |
محمد بن عبدالحميد بن عبدالقادر العمري الدفتري البغدادي
الشهير بحكيم زاده وبابن الحكيم |
ق11هـ=17م |
مخطوط |
17 |
نجوم الليل الطالعة على غرر الخيل |
حسن بن أحمد بن صالح الحيمي |
ق11هـ=17م |
مطبوع |
18 |
بيطارنامه في سياسة الخيل (منحول وملفق) |
العلامة رويه الأكبر (؟) |
مجهول زمانه لكنه بعد ق6هـ=12م يقيناً. |
مخطوط |
السلطان عمر بن بدر الكثيري:
ولي السلطانُ
عمر بن بدر الكثيري الحكمَ بعد وفاة والده عام (990هـ=1582)[2]،
وكان كريماً شجاعاً، مُـحِبّاً للعلماء، جواداً مع الوافدين عليه، وكانت إقامته
بمدينة الشّحر، التي تعد من أهم مواني اليمن، قال محمد بن أبي بكر الشلّي
(ت1093هـ=1682م): "قلَّ أنْ وردَ عليه أحدٌ من الغرباء إلا وصَدَر يُثْني
عليه الثناء الجميل، أو وَفَدَ إلى ساحته بعضُ الفضلاء إلا وانصرفَ يشكرُ ما أسدى
إليه من البِرِّ الجزيل، وكان شجاعاً مقداماً"[3]،
مشتغلاً بالعلم، حتى قيل أنه يستظهر (صحيح البخاري) بتمامه[4]،
وكان أحدُ الوافدين القادمين عليه من العراق: الأديبَ الشاعر محمداً الدفتري
العمري، وقد وصفَ العمري نفسهُ وذكر بعض أحواله في مطلع كتابه (بلوغ النيل)، وأنه
وفد على السلطان عمر بن بدر الكثيري في الشحر[5]، ويتبين
لنا من خطبة الكتاب أن الـمُعَرِّبَ بغداديٌّ من أهل العراق، يَنسب نفسه إلى البيت
العمريّ، ويبدو أنه عالي الثقافة والتعليم، إذ إنَّه متمكّن من اللغة الفارسية
لدرجة أنه يعرِّب كتاباً فارسيّاً، كما تشير الألقاب المضافة إليه إلى وظيفته:
الدفتري، وهي وظيفة عثمانية.
محمد العمري مُعَرِّب الكتاب:
تفرَّد بترجمة
هذا المعرِّبِ: البحَّاثةُ المؤرّخ عباس العزَّاوي (ت1391هـ=1971م) في كتابه
(تاريخ الأدب العربي في العراق) عند حديثه عن الأدب في العصر العثماني الأول، وهو
عندهُ: محمد بن عبدالحميد البغدادي المعروف بابن الحكيم، وقد نقل طرفاً من أخباره
عن مخطوط يحتفظ به في خزانته، عبارة عن (مجموعة أدبيَّة) كتبها مصطفى بن أحمد
البغدادي، وكان لابن الحكيم الحظ الوافر منها، والسبب الذي جعلني أرجِّحُ كون
المعرِّب هو هذا العَلَم: هو ما ساقه من خبر رحلة ابن الحكيم إلى اليمن، وإقامته
في كنف السلطان عمر بن بدر الكثيري مُدَّة عامين، ووصفه لتبالة الشحر، وصِلاته
ببعض أدبائها[6]،
ثم يختم العزاوي حديثه بقوله: "وعلى كلِّ حال، جمعت هذه المجموعة للمترجمِ
شعراً ونثراً يُـمَثِّلُ حالة العصر، والصلات بأدبائه"[7]، "ويؤسفنا
أننا لم نطّلع على تفصيل حياة ابن الحكيم، وكفى أن نعلم صفحةً من آدابه"[8].
وقد اختار لنا العزَّاوي رحمه الله طرفاً من نثر ابن
الحكيم ليدلّ على نثره وأدبه، ومنثوره حاوٍ لطرفٍ من خبر رحلته اليمانية، وفيه
يقول: "ومن جملة ما سنحَ لي في بلاد اليمن أنِّي وصلتُ إلى بعض بنادرها،
يُسَمَّى بالشِّحْر، وكان سلطانها يومئذ السلطان عمر بن بدر الكثيري، فأقمتُ
بها مدَّة سنتين، وتعارفتُ مع أهلها وفضلائها، فحصل لي معهم الأُنس التام،
والإلمام التمام، فمن جملتهم السيد الفاضل، السيِّد محمد بن أبي بكر المشهور بابن
الطيب، والشيخ الجليل والشاعر النبيل عبدالصمد بن عبدالله الـمُكَنَّى بأبي كثير،
والفتى الأديب والشاب الأريب محفوظ بن خميس بن أبي السعود، وكُنَّا في أغلب
الأوقات نتعاطى معهم كؤوس الآداب، وندخل في كل باب، ونخوض معهم في نوادر الأشعار،
ومُلَح ما وردَ من الآثار والأخبار"[9].
ومما يحسنُ ذكرهُ هنا أن هذه الأشعار التي دارت بين اليمانيين وابن الحكيم مسطورةٌ
أيضاً في مجموعة أدبيَّة تحتفظ بها مكتبة المتحف البريطاني.
أحد وزراء الإمام يحيى حميد الدين، إمام اليمن
وهو منهمك بالتدوين مستخدماً أدوات الكتابة التقليدية القديمة
تصوير الرحالة الألماني هانس
هيلفريتس (Hans Helfritz) (1902-1995م).
مخطوط (بلوغ النيل):
وقفتُ على نسخة
خطيَّة وحيدة من الكتاب، جاء على غلافه أن اسمه: (بلوغ النيل في معرفة أحوال الخيل)،
وجاء في مقدّمة الكتاب اسمٌ آخر هو: (بلوغ النيل ببلوغ الخيل)، وتحتفظ بنسخته
الخطيَّة الوحيدة مكتبةُ الدولة في مدينة برلين (Staatsbibliothek zu Berlin) بجمهورية ألمانيا تحت رقم: (Glaser 17)، وتقع في
أربعين لوحة، تتلوها أربعُ ورقات تضمُّ فوائدَ وأشعاراً متنوّعة، وهي نسخة خزائنية
أتمَّ نسخَها محسنُ بن يحيى المفتي برسم مالكها أحمد الـمسوري في أواخر ذي الحجة
من عام (1202هـ)، الموافق لعام (1788م). وتعود هذه النسخة الخطية إلى مجموعة
المستشرق إدوارد جلازر (Edward
Glaser)
(ت1326هـ=1908م)، وجلازر رحّالة يهودي مُنَقِّب، له عناية كبيرة بالنقوش في جنوب
الجزيرة العربية، ونقل الكثيرَ منها إلى أوروبا، فباعها على المتحف البريطاني
ومتحف فيينا، كما اشترى بعضَ المخطوطات التي أُودِعتْ لاحقاً مكتبتيّ فيينا وبرلين[10]،
ومنها: مخطوط (بلوغ النيل)، الذي ندرسه هنا. وتُشكر مكتبة الدولة في برلين على
إتاحتها هذا المخطوط وغيره من نفائس المكتبة على موقعها الرقمي، كما أشكر الأخ
الكريم د. صاحب عالم الندوي الذي أرشدني مشكوراً إلى المخطوط.
فصول (بلوغ النيل):
يتكون كتاب
(بلوغ النيل) من "مقدمة، وسبعة فصول، وخاتمة"[11]، وقد
خصص العمري المقدمة لبيان "أخبار الخيل، وصفة خلقتها"[12]،
أما الفصول، فقد بيَّنها بعد المقدمة فقال: "الفصل الأول: في بيان
معرفة صفة اعتلاء الخيل، والدواء الذي يشهي الفرس. الفصل الثاني: في بيان
معرفة عمر الخيل من جهة أسنانها. الفصل الثالث: في بيان العلامات الميمونة
والمذمومة. الفصل الرابع: في بيان البياض الذي يكون على جهة الخيل. الفصل
الخامس: في بيان ما معرفة اليمين، ومطلقة اليمين واليسار، وما يتعلق بهما. الفصل
السادس: في الخيل اللائقة لركوب الملوك، وبيان المذموم، وغيره. الفصل
السابع: في أدويتها وعلاجاتها"[13]،
أما الخاتمة فقد جعلها لإيراد "بعض الفرائد، وجملة من الفوائد"[14].
ويظهر من تسمية الفصول ومطالعة الكتاب أنَّ مادته منصبَّة على بحث خَلْقِ الخيل
وبيطرتها بالدرجة الأولى، إلا أنه لا يخلو من فوائد أخرى.
وقد كان المعرّب مهتماً بتسمية المصطلحات الفارسية التي
لها صلة بالخيل عند تعريب معانيها وذكر مقابلها العربي، وفي الحقيقة أن هذا
التعريب الذي أمر به السلطان عمر بن بدر الكثيري، ونهض به محمد العمري، يشكّل
نموذجاً لعناية السلاطين والأئمة اليمنيين بالعلم، والإنفاق عليه، خاصة علم
البيطرة، كما يدل على دخول الكتب الفارسية إلى خزائن السلاطين اليمنيين إلى جانب
الكتب العربية، وربما دلَّ طلب السلطان من العمري على ندرة العارفين بالفارسية
المعرّبين لنصوصها بين علماء دولته أو قُطْرهِ يومئذ، إلا أنَّ الـمُعَرِّب لم
يُشِر إلى مؤلف الكتاب الفارسي الأصلي، فلم يذكر اسمه أو صفته، وربما يكون الكتاب
الأصل عارياً عن نسبته إلى مؤلف معيَّن، إلا أنه لم يشر إلى ذلك أيضاً، كما أنَّه
لم يذكر لنا عنوانَ الكتاب الأصلي، والعنوان الذي وُسِمَ به الكتاب – (بلوغ النيل في
معرفة الخيل) – هو عنوان صاغهُ المعرِّب، وليس من عمل مؤلف الأصل الفارسي كما تدل
على ذلك مقدمة المعرِّب.
مقدمة المعرِّب:
أثبتُّ هنا
جزءاً من خطبة الكتاب، ليطّلع القارئ على جزء من النص، ويتبين أسباب التعريب من
قول المعرّب نفسه، قال العمري رحمه الله: "فيقول الفقير إليه سبحانه، الراجي
غفرانه، محمد الدفتري العمري البغدادي: أنَّه لما جرت المقادير وجرته إلى بلدة
الشحر المحروسة، والبقعة المباركة المأنوسة، تكاملت له السعود، وإطاعة الزمان
العنود، وفاز ما يَرُومهُ من المقصود، لـمَّا أن تشرَّفَ بخدمة السلطان العادل،
والملك الكامل، ذو الأيادي والإحسان، والجود الذي لا يفنى مع الزمان، من جَمَعَ
بين حُسْنِ الخُلُقِ ومزيد الإشفاق، وعُقِدَت الخناصر على المكارم منهُ والأخلاق،
العالم العامل الفاضل العادل الأديب، من أَلَّفَ له جوامحَ القلوبِ حتى تصالحَ في
زمانه الغنم والذيب، فأنام الأنامَ في سوح ظل الأمان، ونال قاصديه فوق ما يرجو من
الامتنان، المحروس بعين عناية الملك الأكبر، مولانا السلطان عمر ابن السلطان بدر،
خَلَّدَ الله تعالى مُلْكَه، وأجرى في بحار السَّعْدِ فُلْكَهُ، وأبقاهُ بقاءً
تخرق العادات بوجوده، وأدامهُ في عيشةً رَضِيَّة بأنواع الراحات من كرمه وجوده، وكان
الفقير إذّاك مُفَكِّراً في شيءٍ يليق بمقامه من صنف الهديَّة، أو ما يتقرّب إليه
بتحفةٍ بهيَّة، فلم يجد من المطلوب على ما في القلوب، فقلتُ: اللهم لا يناسب لذلك
الجناب، إلا شيءٌ من مُصَنَّفٍ أو كتاب، وكان الـمَوْلى المذكور مَـحَبَّتُهُ
للخيل مشهورة، ووقائعه بها مذكورة، ومن عادة الملوك ميلهم إلى محاسن أصنافها،
والتجسس لأوضاعها وأوصافها، فبالأمر الـمُقَدَّر، وُجِدَ كتابٌ بالفارسيَّة
مشتملاً على معرفة مليحها، وبيان التَّجَنُّبِ
عن قبيحها، إلا أنَّه لـمَّا كان بغير اللسان المألوف، أشار مولانا المعروف، أن
يُتَرْجَمَ بالعربيَّة، ليكون فيه حصول الأُمْنِيَّة، فَشَمَّرْتُ حينئذ عن ساعد
الجد، واختصرت معانيه كلها بالعربيَّة إلى أن جاء بعون الله طبق ما في الفؤاد،
وسَمَّيْتُهُ (بلوغ النَّيْل ببلوغِ الخيل)، ولكنَّ المأمول ممن تأمَّلَ فيه
أو نَظَر، أن يُرْخي عليه ذيلَ السَّتْر، لأني كنت حينئذ على جناحِ سَفَر"[15].
لمن أراد الاطلاع على المقال منشوراً في رسالة الجواد العربي العدد 47:
https://baitalarab-kw.com/uploads/public/pdf/tt87mgvupbrwm64hpvkaq8f1.pdf
[1] - هذا المقال جزءٌ من دراسة مفصَّلة حول كتب الخيل والفروسية
والبيطرة اليمنية، أنجزتُ جُلَّها، وسأنشرها مستقلة بإذن الله.
[2] - طالع لترجمته: محمد بن عمر الطيب
بافقيه الشحري، تاريخ الشحر وأخبار القرن العاشر، تحقيق: عبدالله الحبشي
(صنعاء: مكتبة الإرشاد، 1419هـ=1999م): 428. محمد بن أبي بكر الشلي باعلوي، عقد
الجواهر والدرر في أخبار القرن الحادي عشر، تحقيق: إبراهيم أحمد المقحفي
(صنعاء: مكتة الإرشاد، 1424هـ=2003م): 133-134. سالم بن محمد بن سالم ابن حميد
الكندي، العدة المفيدة الجامعة لتواريخ قديمة وجديدة، تحقيق: عبدالله
الحبشي، ج.1 (صنعاء: مكتبة الإرشاد، 1424هـ=2003م): 217، 226. خير الدين الزركلي، الأعلام، ج.5: 43.
[3] - محمد بن أبي بكر الشلي باعلوي، عقد الجواهر
والدرر في أخبار القرن الحادي عشر: 133-134.
[4] - سالم بن محمد بن سالم ابن حميد الكندي، العدة
المفيدة الجامعة لتواريخ قديمة وجديدة، ج.1: 217-218.
[5] - محمد العمري الدفتري البغدادي، بلوغ النيل في معرفة أحوال
الخيل، مخطوط مكتبة الدولة ببرلين رقم Glaser
17: 2/أ-3/ب.
[6] - عباس العزاوي، تاريخ الأدب العربي في العراق، ج.2
(بغداد: مطبعة المجمع العلمي العراقي، 1382هـ=1962م): 187-189.
[7] - عباس العزاوي، تاريخ الأدب العربي في العراق، ج.2: 189.
[8] - عباس العزاوي، تاريخ الأدب العربي في العراق، ج.2: 188.
[9] - عباس العزاوي، النثر الأدبي ومصادره في العهد العثماني من سنة
941هـ-1534م إلى سنة 1335-1917م نظرة عامة، مجلة المجمع العلمي العراقي،
مج.9 (بغداد: المجمع العلمي العراقي، 1380هـ=1961م): 227-228.
[10] - د. عبدالرحمن بدوي، موسوعة المستشرقون (بيروت:
المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1436هـ=2015م): 186-187. نجيب العقيقي، المستشرقون،
ج.2 (القاهرة: دار المعارف، 1427هـ=2006م): 281.
[11] - محمد العمري الدفتري البغدادي، بلوغ النيل في معرفة أحوال
الخيل: 3/ب.
[12] - محمد العمري الدفتري البغدادي، بلوغ النيل في معرفة أحوال
الخيل: 3/ب.
[13] - محمد العمري الدفتري البغدادي، بلوغ النيل في معرفة أحوال
الخيل: 14/ب-15/أ.
[14] - محمد العمري الدفتري البغدادي، بلوغ النيل في معرفة أحوال
الخيل: 15/أ.
[15] - محمد العمري الدفتري البغدادي، بلوغ النيل في معرفة أحوال
الخيل: 2/أ-3/ب.