الأربعاء، 10 أغسطس 2016

قصيدة الـمُلاَّ زين العابدين الكويتي (تُوُفِّيَ 1369هـ=1950م) في مدحُ الشيخ حمد بن عيسى بن علي آل خليفة (تُوُفِّيَ 1361هـ=1942م) ووصف قصر الصخير عام (1352هـ=1933م)

بسم الله الرحمن الرحيم
 
مقدمة:
اجتمعت لديَّ أخبار ورسائل وأشعار متفرقة تخصُّ الشاعر والخطاط الكويتي زين العابدين بن حسن بن باقر الشهير بالملا زين العابدين الكويتي المولود عام (1282هـ=1866م)، والمتوفَّى عام (1369هـ=1950م)، ومنها ثلاثُ قصائد في مدح حاكم البحرين الشيخ حمد بن عيسى بن علي آل خليفة، فأحببت أن أنشرها في سلسلة مقالات مُضيفاً بعض ما تكشَّفَ لي من جوانب سيرته، إثراءً لتاريخ الكويت الأدبي، سيما والمصادر التي تناولت ترجمة الشاعر معدودة، وأخباره فيها لا تشفي الغُلَّة، ولا تكفي لرسم صورةٍ واضحةٍ عن حياته وسيرته، آملاً أن يُوَفَّقَ أحد الباحثين يوماً ما في إعداد كتاب يوضح لنا الصورة أكثر، وأولى هذه المقالات يتناول قصيدتهُ التي ألقاها بين يديّ حاكم البحرين الشيخ حمد بن عيسى بن علي آل خليفة في قصر الصخير، وقد قسمت المقال إلى مبحثين، الأول في التعريف بالشاعر، والثاني في التعريف بالأعلام والأماكن الواردة في القصيدة، ثم ختمت بإيراد نَصِّ القصيدة، وأرفقت بالمقال بعض الصور.
المبحث الأول: التَّعريف بالشاعر:
هو الحاجُّ زين العابدين ابن الحاجِّ حسن باقر، الجَهْرَميُّ، البَيْرَمِيُّ، الشَّهير بزين العابدين الكويتي، الـمُتَلَقِّبُ بذي الرِّياستينِ.
والجَهْرَمِيّ والبَيْرَميّ نسبةً إلى جَهْرَمُ وبَيْرَم وهما مدينتان متجاورتان في إيران اليوم، وقد وجدتُ نسبتهُ إلى جَهْرَمَ بخطِّهِ في خاتمة إحدى قصائده، وعلى طُرَّة كتابه (رَوْضَةِ العارفين)، ووردت كذلك في (الآيات الصِّباح) (ص180): "زين العابدين ابن الحاج حسن باقر جهرمي"، ولم يذكر أحدٌ ممن ترجم له هذه النِّسبة، فيما وقفتُ عليه، أمَّا نسبة البَيْرَميّ فوجدتها على طُرَّة (رَوْضَةِ العارِفين).
 
صورة الشاعر الملا زين العابدين الكويتي
 
 
شاعرٌ ناثر، ورحَّالةٌ جَوَّاب، فارِسِيُّ الأصل، رَحَلَ إلى الهند وعُمان وقطر والبحرين وبلاد فارس ونجد والحجاز، وامتدح أمراءَ ووجهاء تلك النواحي طلباً للرِّفد والعطاء.
وُلِدَ عام (1282هـ=1866م)، ومكان ولادتهِ الكويت -كما وجدتُهُ بخطِّهِ في خاتمة إحدى قصائده-، نشأ في أسرةٍ فقيرةٍ لم تستطع أن تُهَيِّءَ له أسبابَ التَّعَلُّم، غير أن رغبته الشديدة في طلب العلم دفعتهُ لاقتناص أوقات الفراغ في القراءة والدرس على أيدي أصحابه ورفاقه، وبعض من كان يعطف عليه من الأساتيذ والشيوخ، ثم انكبّ على القراءة، فثقَّف نفسه بنفسه، واكتسب إلى جانب الشعر والأدب مهارات أخرى، كالخطِّ، ويصفُ لنا الأستاذ خالد سعود الزيد (أدباء الكويت في قرنين) (ج1/ص86) خَطَّ زين العابدين بالدقَّة والحسن والجمال، وأظهر الزيد إعجابهُ ببعض الأعمال الفنِّيَّة التي اطَّلَعَ عليها، وليته أرفق صورةً لبعضها في كتابه. وكانت وفاة زين العابدين عام (1950م) عن عمرٍ يُناهزُ الثمانين.
ويذكر السيد إسماعيل جمال في مقابلة تلفزيونية أجراها معه الأستاذ سيف مرزوق الشملان أنَّهُ كان في صِباهُ من طلاب مدرسة الملا زين العابدين، ومقرها بديوان منزله في (ابْهيتَهْ)، كما يذكر أنَّ الملا كان يزور الشيخ مبارك الصُّباح كُلَّ يوم.
وقد تجاهل مؤرِّخوا الكويت من معاصري شاعرنا ذكره، وعلى رأسهم الشيخ عبدالعزيز الرشيد الذي يُعَدُّ تاريخه أوَّل تاريخٍ كويتيٍّ، والشيخ يوسف بن عيسى القناعي، وينسحب هذا على من جاء بعدهم من المؤرِّخين كأحمد أبو حاكمة وعبدالله خالد الحاتم وسيف مرزوق الشملان، وإن كان بعضهم قد ألمح إليه سريعاً في مواضع معدودة، كسيف مرزوق الشملان الذي أشار إلى احتفاظه برسائل الشاعر إلى جدِّه شملان، وأوَّل من ترجمَ له وذكر أخباره هو الأديب خالد سعود الزيد في (أدباء الكويت في قرنين)، وهو مما يُحْسَبُ له.
وعند مطالعتك لتاريخ (الكويت) للرشيد مثلاً لا تجد أي ذكر للملا زين العابدين خصوصاً عند تطرقه لعهد الشيخ مبارك الصباح والأدب العصري في الكويت، فلم يذكره بتاتاً، ولا يمكن أن نتصور أنه لم يعرفه أو لم يسمع به، لأسبابٍ أوَّلُها: المعاصرة، وثانيها أن (الآيات الصِّباح) للأنطاكي مشحون بأشعار الملا زين العابدين، وفي كثيرٍ منها تأريخ لعصرِ الشيخ مبارك الصباح، وقد صرَّح الرشيد أنه طالع الكتاب، وانتقده ونقل عنه في غير موضعٍ من (تاريخه)، أمَّا عن أسباب عدم ذكر الرشيد فأُرْجي الحديث عنها إلى مقالٍ لاحق، بعون الله.
وقد كان لشاعرنا جهودٌ في التصنيف والتدوين، بالعربيَّة والفارسية، ويذكر الأستاذ خالد سعود الزيد (أدباء الكويت في قرنين) (ج1/ص85) أن مؤلفات زين العابدين تربو على أربعين مؤلفاً لعبت بها أيدي العابثين، وصروف الأيام، وقد سرد شاعرنا بقلمه قائمةً بمؤلفاته في صدر (العرصات البديعة)، أورد طرفاً منها حفيده جواد حسن ملا عابدين في مقابلة صحفية منشورة بجريدة الأنباء، وإليك بعض عناوينها على سبيل المثال:
1-            العَرَصاتُ البديعةُ والطَّرائِزُ اللَّميعة، ديوانٌ مخطوط.
ذكر الأستاذ الأديب خالد سعود الزيد في (أدباء الكويت في قرنين) (ج1/ص85) أنه اطَّلَعَ على نسخةٍ من هذا الديوان بقلم شاعرنا، ونقل عن مقدمته ما يوضِّح لنا بعض معالم شخصيته وحياته، وأردفَ أنه اطَّلعَ على دواوين أخرى سمَّاها شاعرنا في خاتمة هذا الديوان ولم يُسَمِّها لنا الأستاذ الزيد للأسف!! وهي النُّتَفُ المتبقية من آثار الشاعر المندثرة، والتي بلغَ عدادها أربعين مؤلَّفاً، وللأسف إن الأستاذ الزيد لم يذكر مصدر هذه النسخة النفيسة، ولا أين أطَّلَعَ عليها، وذكر حفيدهُ الأستاذ جواد حسن مُلاَّ عابدين في مقابلةٍ صَحَفِيَّةٍ أُجْرِيَتْ معهُ أن الكتاب يقع في مجلَّدَيْن.
2-            كَوْكَبَةُ السُّعوديَّة، ديوانٌ مطبوع.
طبع بعناية د. يعقوب يوسف الغنيم عن دارة الملك عبدالعزيز عام (1425هـ=2004م)، والنسخة المخطوطةُ محفوطة في دارة الملك عبدالعزيز ضمن مجموعة الخزانة الملكيَّة، وهو ديوانٌ يشمل مدائح الملك عبدالعزيز، ووالده الإمام عبدالرحمن الفيصل، وبعض أبناءه وأمراءه وخاصَّته، كالملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود، والأمير محمد بن عبدالعزيز آل سعود، والأمير عبدالله بن جلوي آل سعود، والشيخ حافظ وهبة، والوجيه عبدالعزيز القصيبي، ووكيل الملك في الكويت عبدالله النفيسي، وغيرهم.
3-            مَوْعِظَةُ الرِّجالِ وبُلْغَةُ الآمال، مطبوع.
ذكر الأستاذ الزيد نقلاً عن الشاعر في مقدِّمة (العَرَصاتِ البديعة) أنَّهُ طُبِعَ في بومبي بالهند عام (1327هـ=1909م)، وهذه الطبعة في غاية الندرة، وقد أعادت مطابع الأنباء تصويرها طبق الأصل، ولم يُشِرِ الدكتور يعقوب الغنيم في مقدمة (كوكبة السعودية) إلى أنه مطبوع، ووصفه بأنَّ الشاعر قد أنهى كتابته في الثامن عشر من ذي القعدة عام (1327هـ)، وسياق كلامه يوحي بأنَّه في عداد المخطوطات، ويبدو أن سبب هذا الوهم كون الكتاب مطبوعاً حَجَرِيّاً يشتبه بالمخطوطات، ويغلب الطابع الدينيُّ على الكتاب وجُلُّ الأشعار الواردة فيه تتناول المواعظ والنُّصح.
4-            الآياتُ الصِّباح في مدح مبارك الصُّباح.
وسأخصص للحديثِ عنهُ مقالاً مستقلاً بعون الله تعالى.
5-            الدُّرَرُ الـمُنيفة في سَجايا آل خَليفة، مفقود.
يبدو أنَّ هذا الكتاب مجموعُ مدائح في آل خليفة على نسقِ (كوكبةِ السُّعوديَّة) و(الآيات الصِّباح)، وربما تكون القصيدة التي نتاولها في هذا المقال إحدى القصائد المودعةِ في هذا الكتاب.
6-            الرِّحْلَةُ الكُوَيْتِيَّةُ الفَيْلَكاوِيَّةُ والخَضِرِيَّة، مفقود.
ويبدو من عُنْوانِ الكتاب أنه رِحْلَةٌ لزيارةِ جزيرةِ فَيْلَكا، والمقامِ المنسوبِ إلى الخَضْرِ عليه السَّلام فيها.
7-            الرِّحْلَةُ العُمانِيَّة، مفقود.
8-            الرِّحْلَةُ القَطَرِيَّة، مفقود.
9-            الرِّحْلَةُ العبادانِيَّة، مفقود.
10-      الرِّحْلَةُ الرِّياضِيَّة، مفقود.
11-      الرِّحْلَةُ الهِنْدِيَّة، مفقود.
12-      جيم التَّواريخ، مفقود.
13-      القرائضُ العُمانيَّة، مفقود.
14-   الفرائِدُ الـهَجَرِيَّة، مفقود.
15-   الحرائِرُ الحائِرِيَّةُ، مفقود.
وأغلبُ كُتُبِهِ الفارسيَّة كتبٌ دينيَّة، تتعلق بالمواعظ والعقائد على مذهب الشِّيعة الإمامية، كما أنه ترجم بعض كتبهِ العربيَّة إلى الفارسيَّة.
المبحث الثاني: بين يدي القصيدة:
أما الممدوحُ فهو الشيخ حمد بن عيسى بن علي بن خليفة بن سلمان بن أحمد الفاتح بن محمد بن خليفة آل خليفة، أمير البحرين وحاكمها، المولود بالمحرق عام (1291هـ=1847م)، وتولّى ولاية العهد بعد موت أخيه الشيخ سلمان أثناء عودته من الحج عام (1311هـ=1893م)، وتنصب نائباً عن والده عام (1342هـ=1923م) فأمسك بمقاليد الحكم والإدارة وحفظَ حقَّ أبيه إلى وفاته سنة (1351هـ=1932م)، وبويع أميراً على البحرين بعد وفاة والده، وفي عهده تم التوقيع على الاتفاقية النفطية، وابتدأ مشوار النهضة الحديثة. توفي بالسَّكتة القلبية بعد عشر سنوات من وفاة والده عام (1361هـ=1942م).
الشيخ حمد بن عيسى بن علي آل خليفة
 
وقد نظمَ الشاعر قصيدته بعد تولِّي الشيخ حمد الإمارة بخمسة أشهر تقريباً، إذ بويع أميراً بعد وفاة والده (10/8/1351هـ=9/12/1932م)، وقصيدتنا مؤرخة في (2/1/1352هـ=27/4/1933م).
وتَتَجلَّى لنا شخصية الشاعر في هذه القصيدة موافقةً لما جاء عنه في المصادر، فغرضه الأساسيُّ من المدح والثناء وهو نيل الرِّفد جَلِيٌّ واضحٌ الذي لم يكتف بالرمزِ له، بل أعلنهُ صراحةً وطالب بالزيادة عن عطاءهِ المعتاد فقال:
سَيِّدي اسْمَحْ لِـمَنْ أتاكَ بِنَظْمٍ
 
 
مُسْتَقَرٍّ سَما بِذِكْرِ (الصَّخيرِ)
جُدْ بِجَدْواكَ مثلَ ما كُنْتَ قِدْماً
 
 
بَلْ وَضاعِفْهُ بالعَطاءِ الكثيرِ
قال الأستاذ خالد سعود الزيد في (أدباء الكويت في قرنين) (ج1/ص85): "زينُ العابدين شاعرٌ مَدَّاح، أوقفَ شِعْرَهُ على المديحِ إلاَّ ما نَدَرَ، وقد اتَّخَذَ من صناعتهِ هذه طريقاً لكسبِ عَيْشِهِ"، ولا أَدَلَّ على ذلك من تصريح الشاعر بهذا الغرض في مخطوط (العَرَصاتِ البديعة) بقوله: "إنَّ سَبَبَ رَغْبَتي في الشِّعْرِ ونَظْمِهِ أَنِّي اتَّخَذْتُهُ لاكْتِسابِ المعيشةِ وأداءِ الواجبِ من النَّفَقَةِ للأهل"!!.
وليست هذه القصيدة يتيمةَ شاعرنا في آل خليفة، بل يبدو أنَّ لهُ عِدَّة قصائد في مدحِ الأسرة الخَليفيِّة، إذ وردَ في ثَبَتَ مُصَنَّفاتهِ كتابٌ أسماهُ (الدُّرَرَ الـمُنيفَة في سَجايا آلِ خَليفَة)، وقد تكون هذه القصيدة التي نتاولها إحدى القصائد المودعةِ في هذا الكتاب، كما يظهرُ أنَّ هذا الكتاب على نَمَطِ كِتابيهِ سابقيّ الذِّكرِ (كَوْكَبَةُ السُّعوديَّة) و(الآيات الصِّباح).
وقد زَوَّدَني الأستاذ البَحَّاثةُ مبارك بن عَمرو العَمَّاري بثلاثةِ قصائد للشاعر في طيّاتها ذات الغرض، الأولى مؤرَّخةٌ بالعام (1343هـ)، وهي في مدح الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، والثانية غير مؤرَّخةٍ لكن يبدو من ثنايا أبياتها أنها كُتِبَتْ كسابقتها حال تولِّي الشيخ حمد ولاية العهد، والثالثة في مدح السيد علوي بن السيد علي هاشم، وهي مؤرَّخةٌ بالتاسع من ذي الحجَّة عام (1346هـ)، وسأنشرها تباعاً إن شاء الله.
كما طالبَ ممدوحهُ بزيادة عطاءهِ عن عطاياه السابقة، وربما يكونُ الشاعر ممن يتلقَّى عادةً سنويَّةً من الشيخ حمد، فقال:
جُدْ بِجَدْواكَ مثلَ ما كُنْتَ قِدْماً
 
 
بَلْ وَضاعِفْهُ بالعَطاءِ الكثيرِ
ويبدو لنا من خلال سياق القصيدة أنَّ الشاعر قد نَزَلَ المنامةَ أوَّلاً، وهي الميناء الرئيسي في البحرين يومئذ، وبها مرسى البواخر، إذ قال:
كنتُ بالأمسِ في (الـمَنامَةِ) مَيْتاً
 
 
شّفَّني السُّقْمُ دونَ كُلِّ سَميرِ
ثم تَوَجَّه إلى الصخير، وفيها قصرُ ومنتزهُ الممدوحِ الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، ومنزلُ ضُيوفهِ، ومَجالسهِ، وحمى إبله وأنعامه، التي اتَّخذها مركزاً له منذ عام (1318ه=ـ)، إلى أن تُوُفِّي عام (1942م) فَهُجِر بعده، حتى جَدَّدَهُ حَفيدهُ الشيخ حمد بن عيسى بن سلمان بن حمد بن عيسى بن علي آل خليفة، وافتتحهُ في (16/سبتمبر/2003م).
قصر الصخير كما يبدو بريشة الرسَّامة christine rollitt عام (1977م)
 
وضَبْطُ الصخير عند العامَّةِ في البحرين بكسر اللام، وسكون الصاد المهملة، وجَرِّ الخاء بياء المد، وضبطهُ بالشَّكل كالآتي: "لِصْخِير"، ونقلهُ شاعرنا من العامِيَّة إلى الفصحى مضبوطاً بقلمهِ مراراً بنصب الصاد وتشديدها "الصَّخِير".
وقد أطنبَ الشيخ محمد بن خليفة النَّبْهاني في وصف قصر الصخير  – وهو مِمَّن نَزَلَهُ وأقام فيه – فقال في (التحفة النَّبهانية) (ج6/ص71-72): "وجنوبَ رِفاعِ الشَّيخِ مُحَمَّد على مسافةِ ساعةٍ للرَّاكبِ موضعٌ يُسَمَّى الصخير أسَّسَهُ الشيخ محمد بن خليفة، ثم في سنة (1318هـ) نَزَلَهُ سُمُوُّ الشيخ حمد ابن ذي العظمة سمو الحاكم الشيخ عيسى بن علي وبنى به قصوراً جميلةً ومجالسَ رَحْبةً لإقراءِ الضُّيوفِ، وجَدَّدَ القصرَ الذي بَناهُ أخوهُ المرحوم الشيخ راشد ابن الشيخ عيسى، ورَمَّمَ المسجدَ الذي هُناكَ، وعَيَّنَ له إماماً راتباً، وهذا الصخير واقعٌ فوقَ رَبْوَةٍ نَقِيَّةٍ بين جبالٍ وآكامٍ مُتَّسِعَةٍ جداً، وعلى جانبِ الرَّبْوَةِ من جهةِ الغربِ إلى الجنوبِ رياضٌ واسعةٌ تَجْتَمِعُ فيها الأمطارُ والسُّيولُ فتنبتُ بها الأعشابُ البريِّيَّةُ، وتلك الرِّياض هي حِمى لسموِّ الشيخ حمد، ترعاها إِبِلُهُ وأنعامهُ، وفيه عيونٌ للشُّرِبِ، إحداها تُسَمَّى أُمَّ حصاة، وماؤها أعذبُ مياهِ البحرين وألطفهُ لبُعْدِهِ عن السواحلِ، ثم يليهِ في الحلاوةِ عين أمِّ الموميان، والثالثة تُسَمَّى الجنوبيَّة، وبين تلكَ الرِّياض ميدانٌ للسِّباقِ على الخيل، والتمرينِ على الكَرِّ والفَرِّ، وحقيقةً فإنَّ الصخير وما والاهُ يُعَدُّ قطعةً من الطائِفِ لحُسْنِهِ، ولِلَطافَةِ هوائِهِ، وعُذوبَةِ مائِهِ، ونقاءِ أرضِهِ، وخُضْرَةِ ياضِهِ، وظرافةِ مَنْظَرِهِ، وَوَصَلْتُهُ سنة (1332) بطلبٍ من صاحبِ العظمةِ سُمُوِّ الحاكمِ الشيخِ عيسى بن علي، واسْتَقَمْنا به ثلاثةَ أيَّامٍ صُحْبَةَ الحاكم على فراشِ نَجْلِهِ وَلِيِّ العهد سُمُوِّ الشيخِ حمد، ولم تَخْلُ أرضَ الصخير من المعادن، لا سيما النِّفْط والقير والجصّ عند قرب جبل الدخان الذي تقدَّمَ ذكرهُ في الحالةِ الطَّبيعيَّة.
وعلى مسافةٍ من الصخير جهةَ الجنوبِ موضعٌ يُسَمَّى العَمرو، بنى فيه وليُّ العهد الشيخ حمد مجالسَ سنة (1337)، وكذلك بنى فيه أخوهُ سُمُوُّ الشيخ عبدالله، والشيخ سلمان بن الشيخ حمد، وعلى مسافةِ ساعةٍ من العَمرو جهةَ الجنوبِ أيضاً موضعٌ يُسَمَّى المطلَّة، فقد بنى فيه سُمُوُّ الشيخ حمد مجالس، وكذلك سُمُوُّ الشيخ عبدالله أبناء صاحب العظمة سُمُوِّ الشيخ عيسى آل خليفة، وكذا بنى فيه سُمُوُّ الشيخ سلمان بن حمد حفيد الحاكم سُموّ الشيخ عيسى، الجميع بنوا مجالسهم في سنة (1337)". انتهى كلام النَّبْهانيِّ.
وعند مقارنة ما سبق بقصيدة الملا زين العابدين نجدهما متوافقين في الجملة، إذ وصفَ الملاَّ الصخير بعذوبة الماء وطيب الهواء قائلا:
حيثُ أنِّي وجدتُ فيها شِفاءً
 
 
مُذْ عَراني سُقْمٌ بداءٍ وَفيرِ
ولقد بِتُّ في هَواهُ غَريماً
 
 
أَشْكُرُ اللهَ في ظِلالِ القُصورِ
يا سقى اللهُ رَوْضَهُ مِنْ حَياءٍ
 
 
ساكِبِ الوَدْقِ بالغَمامِ الـمَطيرِ
راقَ منها صَحاصِحٌ حين أَبْدَتْ
 
 
لِرِياضٍ تَزْهوا كَبَدْرٍ كَبيرِ
وشهِدَ للصّخير بالجمال وأنها فاقت كل ما شاهدهُ في أسفارهِ، حتى أنَّه طالبَ السامعَ أن يُشْهِدَ أَوالاً – وهي البحرين – بانتفاء مثيل الصخير فقال:
سَلْ (أَوالاً) لكي يُعَرِّفْكَ عَنْها
 
 
من قديمِ الزَّمانِ مَأْوى الأسيرِ
طِفْتُ كُلَّ الدِّيارِ شَرْقاً وغَرْباً
 
 
لم أَجِدْ مِثْلَهُ بلا تَنْكيرِ
كما فَضَّلها على المنامةِ التي أمسى فيها سقيماً، ليصبحَ في الصخير معافىً سالماً:
كنتُ بالأمسِ في (الـمَنامَةِ) مَيْتاً
 
 
شّفَّني السُّقْمُ دونَ كُلِّ سَميرِ
فَرَأَيْتُ الشِّفاءَ عند وُرودي
 
 
عاجلاً مُذْ نَزَلْتُ أرضَ الصَّخيرِ
وفي وصف النبهانيِّ المتقدِّم لها بأنها قطعةٌ من الطائف نوعُ مبالغةٍ إلا إن كان يقصدُ روضة الصخير في فترة الربيع، فإنها عند كثرة المطر تتغير وتصبح روضاً زاهراً، وترجع بعد انتهاء الربيع والمطر إلى حالتها الأولى، ولعلَّ شغف الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة بالصخير جعل النبهاني والملا يبالغان في مدحها.
ووصفَ شاعرنا بعض ما بناهُ وعمرهُ الشيخ حمد في الصخير من قصورٍ ومسجد ونُزُلٍ للضيوف، فقال:
ولقد بِتُّ في هَواهُ غَريماً
 
 
أَشْكُرُ اللهَ في ظِلالِ القُصورِ
وأردف بذكر مسجد الصخير ونسبَ بناءهُ للشيخ حمد بن عيسى، بينما ينصُّ النبهاني كما تقدَّمَ أنَّ الشيخ حمد قام بتجديد المسجد، وتعيين إمامٍ راتبٍ له، وأنه مبنيٌّ قبل نزول الشيخ حمد الصخير، فقال:
وبهِ قد أشادَ بيتاً شَريفاً
 
 
للعِباداتِ دونَ كُلِّ مُشيرِ
مَسْجِداً في رضا الإلهِ بناهُ
 
 
فوقَ أرضِ الصَّخيرِ بالتَّوْقيرِ
عَمَلاً صالحاً أتى فيهِ يُبْدي
 
 
خَيْرَ فِعْلٍ بأَحْسَنِ التَّصْويرِ
 
الشيخ حمد بن عيسى بن علي آل خليفة واقفاً في مربط قصر الصخير الذي وصفهُ النبهاني
 
 
تَكْمِلَةٌ وتَتِمَّة في تأريخ بناء الصخير:
ذكر النبهاني أن أوَّلَ من نزلَ وأقامَ بالصخير هو الشيخ محمد بن خليفة، ولم يحدد لنا السنة، ومن أخبارهِ في الصخير أنَّهُ نزلها عندما أوعزَ إلى أخيه الشيخ علي بن خليفة إدارة الخلاف بينه وبين الإنجليز بعد معركة دامسة، وكان ذلك عام (1285هـ=1868م)، وتحديداً قبل خلعه في (18/جمادى الأولى/1285هـ=6/سبتمبر/1868م) ثم لجوئِهِ إلى الكويت، قال المؤرِّخ ناصر بن جوهر الخيري في (قلائد النَّحرين في تاريخ البحرين) (ج2/ص353 _ المخطوط): "فلمَّا عَلِمَ الشيخ محمد بفوز حزب المسالمة وعلم أن أخيه الشيخ علي له يد  في تلك الأمور تركَ العاصمةَ ونَزَحَ إلى الصخير في البرّ، وفوَّضَ أخاهُ في حسن التفاهم مع الدولة ومصالحتها بصفة مرضيَّة بقدر الإمكان، وأن يتجنب جهد المستطاع وضع نص جعل البحرين تحت الحماية موضع الإجراء أو المناقشة"، مما يعني أن مكانه في الصخير كان مُجَهَّزاً من قبل ذلك التاريخ، وقد تكون الصخير عامرةً قبل نزول الشيخ محمد بن خليفة، إذ أنها لا تبعد كثيراً جهة الجنوب – حسب وصف النبهاني – عن منطقة العمرو التي كانت فيها قلعتان للجبريين، وربما يكون بناء مجالس وقصور الصخير والعمرو التي بناها آل خليفة على أنقاض قلاع وقصور الجبريين، لكني لم نجد نَصّاً على ذلك، ومن القلاع التي بناها آل خليفة على أنقاض قلاع الجبريين قلعة الرفاع، بناها الشيخ سلمان بن أحمد آل خليفة سنة (1227هـ) على أنقاض قلعة الوزير فرير بن رحَّال، وزير الجبريين، وبناءً على ما سبق نستطيع أن نقول أن الشيخ محمد بن خليفة هو أول من نزل الصخير من آل خليفة حسب ما بأيدينا من مصادر، كما أن احتمال نزول الجبريين بها واردٌ، والجزم بذلك يحتاج دليلاً.
وأُنَوِّهُ خِتاماً بأنَّ لأستاذنا الأديب مبارك بن عمرو العمَّاري مُؤلَّفاً في تاريخِ قصر الصخير، أسألُ الله تعالى أن يرى النُّورَ قريباً.
مصدر القصيدة:
أصلُ هذه القصيدةُ النَّادرة محفوظٌ في مكتبة الشيخ القاضي يوسف بن أحمد الصديقي رحمه الله تعالى، وقد حصلَ عليها بالإهداء من الوجيه الشاعر عبدالله بن جبر الدُّوسري، السكرتير الخاص للشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، وهو شاعرٌ نبطيٌّ، وعنه أخذ الشيخ يوسف فنونَ شِعْرِ النَّبَط.
وقد تكرَّمَ عَلَيَّ سِبْطُهُ الخَلوقُ الوَفِيِّ الشيخ عبدالناصر الصديقي حفظهُ الله وبارك في أيَّامهِ بصورةٍ من القصيدة جزاهُ الله خير الجزاء، وليست أوَّل أياديه الكريمة، وتقع القصيدة في ورقة واحدة بقلم شاعرها، ويبدو أنَّهُ قَدَّمها إلى الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة أثناء زيارته المذكورة في القصيدة وأَرَّخَ كتابتها بآخرها في العام (1352هـ).

الوجيه عبدالله بن جبر الدوسري، السكرتير الخاص للشيخ حمد بن عيسى آل خليفة

 
 
العلامة الشيخ يوسف بن أحمد الصِّديقي، والقصيدة من محفوظات مكتبته العامرة
 
 
نَصُّ القصيدة كما وردت في الوثيقة:
بسم الله الرحمن الرحيم
القصيدةُ الارتجاليَّةُ في الصخير، وطيبِ هواها وعُذوبةِ ماءِها، يومَ وُرودي على حضرة الملكِ الـمُطاع حمد الخليفة، وَحيدِ البحرين وتَمْجيدهِ، في ثاني مُحَرَّم (1352).
1
عَرِّجا بي على أَكْنافِ (الصَّخيرِ)
 
 
 
وانْزِلاني بها بلا تَنْكيرِ
2
حيثُ أنِّي وجدتُ فيها شِفاءً
 
 
 
مُذْ عَراني سُقْمٌ بداءٍ وَفيرِ
3
ولقد بِتُّ في هَواهُ غَريماً
 
 
 
أَشْكُرُ اللهَ في ظِلالِ القُصورِ
4
يا سقى اللهُ رَوْضَهُ من حَياءٍ
 
 
 
ساكِبِ الوَدْقِ بالغَمامِ الـمَطيرِ
5
راقَ منها صَحاصِحٌ حين أَبْدَتْ
 
 
 
لِرِياضٍ تَزْهوا كَبَدْرٍ كَبيرِ
6
سَلْ (أَوالاً) لكي يُعَرِّفْكَ عَنْها
 
 
 
من قديمِ الزَّمانِ مَأْوى الأسيرِ
7
طِفْتُ كُلَّ الدِّيارِ شَرْقاً وغَرْباً
 
 
 
لم أَجِدْ مِثْلَهُ بلا تَنْكيرِ
8
كنتُ بالأمسِ في (الـمَنامَةِ) مَيْتاً
 
 
 
شّفَّني السُّقْمُ دونَ كُلِّ سَميرِ
9
فَرَأَيْتُ الشِّفاءَ عند وُرودي
 
 
 
عاجلاً مُذْ نَزَلْتُ أرضَ الصَّخيرِ
10
وتَشَرَّفْتُ حولَ بابِ مَليكٍ
 
 
 
قُدْوَةِ الآمِرينَ خيرِ أَميرِ
11
مَلِكٍ عَظَّمَتْهُ أهلُ الـمعالي
 
 
 
في جميعِ الأقطارِ سَلْ مِنْ خَبيرِ
12
تَخِذَ المجدَ دَيْدَناً ومقاماً
 
 
 
فَسما رِفْعَةً بأعلى سَريرِ
13
لم يُوازِنْهُ في الـمكارمِ زَيْدٌ
 
 
 
لا ولا في السَّخا وحَقِّ القَديرِ
14
فَتَرى النَّاسَ تَشْكُرُ الفَضْلَ منهُ
 
 
 
بِـمُرورِ الأيَّامِ طولَ الدُّهورِ
15
لستُ أنساهُ إِذْ تَصَدَّرَ عَرْشاً
 
 
 
فيهِ للـمُلْكِ غايَةُ التَّدْبيرِ
16
قَصَبَ السَّبْقِ حازَهُ مِنْ قَديمٍ
 
 
 
سَلْ تَجِدْ ما قَرَّرْتُهُ في الشَّهيرِ
17
حَبَّذا رَوْضَةُ (الصَّخيرِ) متى ما
 
 
 
حَلَّها في جَلالهِ الـمُسْتَنيرِ
18
وبهِ قد أشادَ بيتاً شَريفاً
 
 
 
للعِباداتِ دونَ كُلِّ مُشيرِ
19
مَسْجِداً في رضا الإلهِ بناهُ
 
 
 
فوقَ أرضِ الصَّخيرِ بالتَّوْقيرِ
20
عَمَلاً صالحاً أتى فيهِ يُبْدي
 
 
 
خَيْرَ فِعْلٍ بأَحْسَنِ التَّصْويرِ
21
سَيِّدي اسْمَحْ لِـمَنْ أتاكَ بِنَظْمٍ
 
 
 
مُسْتَقَرٍّ سَما بِذِكْرِ (الصَّخيرِ)
22
جُدْ بِجَدْواكَ مثلَ ما كُنْتَ قِدْماً
 
 
 
بَلْ وَضاعِفْهُ بالعَطاءِ الكثيرِ
23
وعليكَ السَّلامُ ما سَحَّ وَبْلٌ
 
 
 
فوقَ آكامِ رَوْضِ سَطْحِ الصَّخيرِ
تَمَّت بقلمِ النَّاظِمِ خادِمِ أريكَةِ أَدَبِيَّةِ الصُّباح
زين العابدين الشَّاعرُ الكُوَيْتِيُّ سنة (1352)
 
صورة الوثيقة التي اعتمدنا عليها في تحقيق القصيدة والتعليق عليها، وهي بخط الشاعر
ومصدرها: مكتبة الشيخ يوسف بن أحمد الصِّديقي بالبحرين
زودني بصورة عنها سبطهُ الوفي الشيخ عبدالناصر الصديقي جزاهُ الله خيراً


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق